توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنكار الثورة القيمية

  مصر اليوم -

إنكار الثورة القيمية

بقلم - آمال موسى

دائماً هناك شيء ما ناقصٌ، ولكننا لا نولي عنايةً لمعرفة هذا الشيء الناقص. إنه ليس الفضول فقط الذي يفرض تحديدَ هويةِ هذا الشيءِ الناقص في مشاريعِنا ومنجزنا في الفضاءِ العربي الإسلامي بشكل عام، بقدر ما هو جهد من الحتمي بذله لمعالجة هذه الإعاقة شبه الدائمة والثابتة في كل ما نقوم به.

قد نختلف في جودة الجهود المبذولة في بلداننا، ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك تراكماً ومساعيَ وإرادات ومجهودات على الأقل من تاريخ النصف الثاني من القرن الماضي حتى الآن، دون أن ننكر ما قبل ذلك من معارك تحرير وطني مهمة دونها، كان يمكن أن تظل بلداننا تحت الاستعمار حتى الساعة.

الجهود قائمة الذات والنتائج ظلت عرجاء.

أول ملمح في هذا الشيء الناقص أنه هيكلي وليس عارضاً، بدليل أنه يجعل من كل ما نقوم به ناقصاً ومبتوراً وضعيف الأثر.

في مقابل ذلك، نرى أن الأمم التي عانقت التقدمَ الفعلي هي تلك التي اشتغلت على الإنسان وأحدثت في داخله ثورة قيمية وأخلاقية عميقة جداً، وأعادت ترتيب العقل والذاكرة والضمير والوجدان قبل أن تركب في القطار الذي سيأخذها نحو التقدم. لنقرأ كتابات ماوتسي تونغ مثلاً سنعرف السّر الذي جعل العالم اليوم يتحدث عن الصين كقوة أساسية في عالم القرن الراهن. هذه التجربة وغيرها في تجارب الأمم المتقدمة تؤكد أن رأسمال أي تجربة تقدم هو الإنسان. بل إنه المحرك الضامن لسيرورة الأفكار والأهداف على النحو الذي يجب.

بالنسبة إلينا لم ندخر جهداً مع تفاوت طبعاً في القيام بتجارب تحديثية بمجتمعاتنا، وبذلت النخب جهداً في صياغة تصور لتحقيق النهضة العربية والتقدم وتحقيق الذات العربية والإسلامية في موازين قوى العالم اليوم. وكانت الأسئلة التي نحوم حولها دائماً: كيف نلتحق بالغرب؟ كيف نحفظ هويتنا من الذوبان والتلاشي؟ كيف نتصدى للعولمة؟ كيف نبني دولاً وطنية مستقلة؟ كيف نتعاطى مع الحداثة؟ كيف نقيم التمايز بين الخصوصية والكونية؟ كما كان الدين الإسلامي حاضراً بقوة في هذه الأسئلة؛ سواء في علاقته بالدولة أو المجتمع أو مشروع الحداثة نفسه.

أسئلة كثيرة أجيب عنها، في حين أنَّ أبسط الأسئلة وأكثرها ضرورة سكتنا عنها: كيف نعيد بناء الإنسان في مجتمعاتنا؟ كيف نهيئ الإنسان العمود الفقري للتقدم حتى نضمن النجاح والديمومة والتراكم لتجربة التقدم؟

لقد فكرنا في التقدم ولم نفكر ما إذا كانت الملامح القيمية والثقافية للإنسان في مجتمعاتنا تمكنه من أن يؤسس لفعل تقدمي تأسيسي. لذلك ظلت كل المجهودات منقوصة وضعيفة البنيان ومهددة في كل لحظة بالتراجع.

إنَّها الثورة القيمية التي لم تحدث بعد، دونها كل شيء يظل ناقصاً، والأخطر من النقصان أنه يظل رخواً وضئيل الصلابة. لذلك فإنه لا شيء يمنع اليوم في بلداننا من تهديد مكاسب ما والعودة إلى الوراء بجرة قلم في صورة حصول أي منعرج. والقوة الوحيدة القادرة على صد كل التهديدات الممكنة هي البناء العميق للإنسان المعني بالتصدي للتهديدات وللامتحانات بينه ونفسه والآخر.

إن مرحلةَ بناء الإنسان وإحداث ثورة في داخله مرحلة لا غنى عنها كي نضمن السير في الطريق الصحيحة، ونحن قصرنا في هذه العملية ولم نمنحها حق قدرها وانشغلنا بالتقدم وأهملنا فاعل التقدم وحارسه والمدافع عنه.

لا معنى لأي تشريعات غير محصنة بالإنسان. ولن تهنأ النساء بالمكاسب التشريعية، إلا إذا تم بالفعل صهر عقل الإنسان العربي والمسلم بشكل يكون الجميع نساءً ورجالاً مدافعين شرسين وصارمين ضد منعرجات أهل الردة والتخلف الذين لا يكاد يخلو منهم أي عصر.

لذلك فإنَّ المؤسسات الصانعة للمضامين والناقلة والغارسة لها، مثل المؤسسات التربوية ودور النخب ووسائل الإعلام والأسرة، كلها مؤسسات فاعلة، ولا بد من توفير مضمون قيمي لها تنخرط فيه كل المؤسسات التي ستكون آليات تنفيذه من أجل بناء إنسان يؤمن بالعمل ويقدسه، ويعي معنى الاستحقاق وتقدير الجهد والحيلة في ترك الحيل وقدسية الصدق والإخلاص في القول والفعل... هكذا نقضي على التواكل والفساد وسرقة جهد الغير والشكلانية.

أمامنا طريقان للقيام بالثورة القيمية: الزعامة السياسية التي تنفخ في روح المجتمع وتسخر كل الأدوات لمشروع إعادة بناء الإنسان الصالح لقيادة قطار التقدم أو التعويل على النخب، وانتظار ثورة قيمية تكون نتاج خيبات وإخفاقات تصنع الوعي المطلوب.

المهم لا تقدم دون ثورة قيمية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنكار الثورة القيمية إنكار الثورة القيمية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon