توقيت القاهرة المحلي 12:57:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كبار السن وعصرنا المتسارع !

  مصر اليوم -

كبار السن وعصرنا المتسارع

بقلم - آمال موسى

هل يتعرَّض المسنُّون إلى الإساءة والعنف أو أنَّهم يخضعون إلى تعامل خاص باعتبار أنَّ مختلف الثقافات تاريخياً توليهم الهيبة والتقدير والتبجيل؟

نطرح هذا السؤال لأنَّ بيانات منظمة الأمم المتحدة تفيد بأنَّ واحداً من كل ستة مسنين تعرَّض لشكل من أشكال الإساءة في المجتمع الذي ينتمي إليه في السنة الماضية.

طبعاً يحق لنا الاستغراب، لأنَّ كل التركيز، خاصة منذ جائحة الكوفيد إلى اليوم، على النساء، مع تزايد ظاهرة العنف، وصولاً إلى ارتفاع حالات قتل النساء. كما أنَّ التركيز على العنف في العلاقة بالأطفال يستأثر بالاهتمام، الشيء الذي جعل فئة المسنين خارج دائرة التوقع.

وفي هذا السياق من المهم توضيح أنَّ التركيز على العنف ضد النساء والأطفال يعود إلى كون هذا العنف له مستندات ثقافية مع الأسف تبرره.

فغالبية الثقافات مرَّت في تاريخها بمظاهر تعنيف النساء بأشكال مختلفة من منطلق أن الثقافات الذكورية الطابع والتاريخ تضع المرأة في مرتبة دونية على الأقل في بعض المسائل والقطاعات، إضافة إلى أنَّ العنف المتناول ليس بالضرورة عنفاً جسدياً مادياً. فالعالم اليوم يتحدث عن العنف بأشكاله المختلفة سواء أكان عنفاً معنوياً أو اقتصادياً أو جسدياً، الشيء الذي يجعل من هذا الموضوع يحتل النصيب الوافر من الاهتمام والتركيز والمناصرة لمناهضته، بعدّه أكثر المواضيع جلباً لاهتمامات المجتمع المدني والجمعيات حتى إنه صار من مؤشرات تقييم أداء النخب السياسية ومن شروط الدعم الدولي.

وفيما يخصُّ الأطفال؛ فإنَّ التركيز حول ظاهرة تعنيفهم إنَّما تستند إلى مقاومة لأساليب التربية القديمة التقليدية التي ترى في العقاب الجسدي مقاربة ذات جدوى، وأنَّ تربية الأطفال تستوجب قدراً من العنف الجسدي. لذلك فإنَّ المطروح على المجتمعات اليوم هو إعادة بناء نسق كيفية تربية الأطفال، واعتماد أنموذج جديد يقاطع ثقافة الضرب أو تعنيف الطفل لفظياً. وهكذا نفهم الجهد اللازم لنقل ثقافة جديدة وغرس منوال مغاير للتقليدي في تربية الأطفال.

وفي كلتا الحالتين، سواء تعلَّق الأمر بالأطفال أو المرأة، فإنَّ هناك رواسب ثقافية، وهذا هو جوهر عمليات التوعية ونشر الوعي بحقوق الإنسان والانتصار للفرد والطفولة والمساواة بين الجنسين.

الصادم أنَّ حالات الإساءة إلى كبار السن التي بدأت تعرف تزايداً في السنوات الأخيرة تقوم على موروث ثقافي إنساني يولي من تاريخ بداية المجتمعات اعتباريةً عالية لكبار السن؛ فهم من بيدهم السلطة الاجتماعية، وهم الحكماء.

في العصر الحديث ومع بداية التخلي عن أنموذج العائلة الممتدة، والأخذ شيئاً فشيئاً بأنموذج العائلة النواة تراجعت مكانة كبار السن.

أيضاً ساهم تصاعد الفردانية في ازدياد حالات العزلة في صفوف المسنين؛ لأن الاهتمام بالمسنين يستوجب إيثار الغير والتضحية والاهتمام، وكله جهد على حساب الفرد من منظور الفردانية.

كما لا يخفى أنَّ ضغوطات الحياة اقتصادياً والبحث عن الرزق والهجرة والبطالة وحالات القلق التي سببتها الإكراهات الاقتصادية، أضعفت القدرة على تأمين علاقة جيدة بالجيل الذي يسبقنا، بمن في ذلك الوالدان، وهي ظواهر رغم محدوديتها، فإنَّ إنكارها غير ممكن حتى في المجتمعات العربية والإسلامية التي تعطي لكبار السن قيمة وتبجيلاً.

في هذا الإطار من التغييرات يجب أن نضع الاهتمام الأممي بظاهرة الإساءة للمسنين... أمس، أحيا العالم هذه المناسبة وهي مهمة، لأن المجتمع الإنساني يكتسب قيمته من أخلاقياته وليس هناك أكثر تهديداً للإنسانية من التسامح في ممارسات الإساءة لكبار السن. وكل تسامح يعد شرعنة وقبولاً وتزكية لسلوك سيمس الجميع.

لعله من الضروري أن يدرك العالم أنَّ واحداً من كل ستة أشخاص في سنة 2050 سيكون عمره أكثر من 60 عاماً، وهو ما يتطلب يقظة على النواحي كافة؛ لأنَّنا جميعاً مهددون بأن نكون ضحايا الإساءة إذا استمرت الظاهرة في التزايد.

من ناحية أخرى فالأمر في الحقيقة لا يشمل فقط تغيّر القيم داخل الأسر والمجتمع، بل إنَّ جزءاً كبيراً من حجم الإساءة لكبار السن، إنما يحدث في الأزمات وحالات الطوارئ والحروب والتوترات.

وفي هذا الصدد ورغم كل الاهتمام الإعلامي بالحروب، فإنه لا أحد يكترث بالضحايا كبار السن، وكأنَّهم خارج الحسابات وخارج الإدانة.

إنَّ الإنسانَ، سواء أكان طفلاً أم كبيراً في السن، هو ضحية، وبالمقدار نفسه للحروب وللعدوان.

فكم من كبير سن فلسطيني جاعَ وأصيب واستشهد في العدوان الإسرائيلي على غزة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبار السن وعصرنا المتسارع كبار السن وعصرنا المتسارع



GMT 08:09 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

بديع المقرئين

GMT 08:07 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

كيف تميزت السعودية سياسياً؟

GMT 08:05 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

لبنان: برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

GMT 08:03 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

أوروبا والألسنة الحداد

GMT 08:00 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

الرياض عاصمة العالم... مرة أخرى

GMT 07:49 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مصادر الطاقة والأمن القومي البريطاني

GMT 07:43 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مقام الكرد

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon