توقيت القاهرة المحلي 11:21:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأميّة والإقامة على حافة الحياة

  مصر اليوم -

الأميّة والإقامة على حافة الحياة

بقلم - آمال موسى

اكتشف الإنسان الكتابة قبل آلاف من السنين، وكان ذلك حدثاً انطلقت معه كتابة التاريخ. فالتاريخ مرتبط بحدث اختراع الكتابة وظهورها وما قبل ذلك لا وجود له في التاريخ.

ورغم تتالي القرون فإن العالم اليوم ما زال يتحدث عن ظاهرة الأمية، والأرقام صادمة، وتمثل حاجزاً أمام التقدم وطي صفحة الأمية التي ستظل مصدر عطب متعدد الأبعاد.

ولعله في مثل هذا اليوم تحديداً الذي يتزامن مع احتفال العالم بمحو الأمية، من المهم التوقف عند حجم الظاهرة ومدى التقدم في القضاء عليها ومحاربتها. وفي هذا التفصيل بالذات فإن العالم عبّر عن وعي خاص بهذه المسألة حيث إن الاحتفال باليوم الدولي لمحو الأمية يعود إلى سنة 1967 عندما كان كثير من البلدان خارجاً للتو من حقبة الاستعمار بتكلفة باهظة أهمها تفشي الأمية والفقر. لذلك فإن إثارة قضية الأمية آنذاك كانت منطقية ومثل الرهان على التعليم ومجّانيته وتعميمه الآلية الأساسية لمقاومة التعليم، وذاك من أهم المنجزات.

من المهم، ونحن نتناول مسألة التعليم، أن نعيد التذكير بأن الإنسان هو نتاج التعليم، بل إن الكائن البشري لا تتوفر فيه شروط الإنسان إلا بالتعليم، حيث إن التعليم هو الذي يبني العقل ويغيره. وكل منجزات الإنسانية هي نتاج التعليم.

من هذا المنطلق، فإن مجتمعات تعاني من ظاهرة الأمية هي مجتمعات عاجزة عن تحقيق نقلة نوعية في حياتها ومستقبلها. فالأمّيُّ شخص كامن الكفاءة، ولكنها لم تصقل وغير صالحة للتوظيف وللاستغلال الإيجابي فردياً وجمعياً.

صحيح أن الدول قطعت مسافات بفضل سياسات التعليم، وأن نسب التمدرس في تطور، ولكن مشكلة الأمية ما زالت قائمة الذات. وفي الفضاء العربي الإسلامي فحتى الدول ذات التجربة الرائدة التقدمية في مجال التعليم فإن خُمس سكانها على الأقل يعانون من الأمية، وهذا يمثل سبباً لعرقلة تحقيق ما تصبو إليه مجتمعاتنا.

وعموماً، فإن المصادر الدولية تتحدث عن 773 مليون شخص أمّي عن نسبة إجمالي الأميين من السكان تقدر بـ8 في المائة.

وكما نرى، فإن مشكلة الأمية، وخاصة الحجم الديمغرافي الذي ما زال قابعاً تحت براثنها لا تزال موجعة، وتحتاج إلى آليات أكثر نجاعة في تحقيق نتائج أفضل.

كما تمثل هذه المشكلة تحدياً حقيقياً لأهداف التنمية المستدامة سواء الهدف الرابع الذي يتناول صراحة ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع أو باقي الأهداف الـ16، وذلك باعتبار شمولية أهداف التنمية المستدامة ككل.

لا شك في أن وجود الظاهرة له ما يبرره، وهو سليل ظواهر أخرى؛ أهمها الفقر الذي يتسبب في انتشار الأمية. وفي عالم يعرف فيه قرابة عشر سكانه الفقر، و42% من أقدم قاراته أي أفريقيا من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، فإن استمرار ظاهرة الأمية متوقع، باعتبار أن الأميّة إحدى أهم تداعيات ظاهرة الفقر.

إلى جانب الأمية بما تعنيه من جهل بالقراءة والكتابة، فإن الواقع يحملنا نحو أشكال أخرى من الأمية لم ندر ظهرنا لها جيداً بحكم الانغماس في الشكل القديم والمتعارف عليه للأمية.

فنحن في عالم اليوم تموت فيه لغات وتهيمن فيه لغات قليلة جداً، الشيء الذي جعل اللغة الإنجليزية مثلاً تعد اليوم مفتاح النفاذ إلى العالم، وإلى سوق الشغل ومجال العلم أيضاً. ومهما كانت الشهائد متراكمة، فإن الجهل باللغة الإنجليزية يجعل صاحبه يشعر بالنقص، وصار الاكتمال العلمي في أي تخصص رهين التمكن من لغة شكسبير.

أما الأميّة الرقمية فحدث ولا حرج، فالموجود في العالم الرقمي موجود في العالم الواقعي وليس العكس.

إن تعدد أشكال الأمية اليوم أدى إلى ظهور أميين جدد يعرفون الكتابة والقراءة، ولكنهم أميون بمعايير أخرى. قد يبدو الأمر شائكاً ومعقداً وهو كذلك؛ لذلك فإن المجتمعات المركبة شديدةُ التعقيد، ولا شيء من المعاني المتداولة والمتوارثة يظل على حاله وعلى ثباته من حيث المعنى. في المجتمعات المركبة كما هو الحال اليوم نجد الشيء ونقيضه، ووظيفة النخب وضع خطط تقضي على كل ما يهدم البناء.

من الجيد أن تبارك البشرية مجهوداتها وتعترف بمنجزها، فذاك يقوي الثقة في الذات والعزيمة، خاصة أن الطريق لا تزال طويلة، وأنها مرشحة - لو استمر الحال على ما هو عليه من ضبابية ومن إكراهات اقتصادية - للتفاقم باعتبار أن الفقر أبو الأمية في الوقت الراهن. فالصلة بين الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الفقر، والهدف الرابع الذي ينص على التعليم للجميع، وضمان فرص التعلم مدى الحياة صلة متينة جداً، ويكفي أن نقيس المنجز في مجال محاربة الفقر حتى نتكهن بواقع الأمية وحجمها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأميّة والإقامة على حافة الحياة الأميّة والإقامة على حافة الحياة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon