بقلم: د. آمال موسى
رأس الخطر إن جاز التعبير هو طبعاً في ليبيا. ولقد أثبت التّاريخ البعيد والقريب أن كل ما يمس ليبيا من سوء أو خير يؤثر آلياً في تونس. هذه طبعاً القاعدة التاريخية التي استندت إليها العلاقة بين البلدين، وذلك حتى في صورة ألا تكون لتونس يد فيما قد تعرفه ليبيا من مشاكل أو أزمات.
نحن إذن أمام ما يُشبه المسلّمات التاريخية التي أكدتها الأحداث المتواترة.
غير أننا منذ أن تحركت أطماع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نحو ليبيا والتعامل معها كقطعة جغرافية تابعة لتركيا، تغير الكثير من المسلمات التاريخية ممّا يعني أن هناك كتابة تاريخية جديدة في منطقة المغرب العربي حالياً بصدد الحدوث، وهي كتابة هجينة تسير وفق أطماع وتوترات إقليمية خطيرة غير عابئة بما يمكن أن يحصل من كوارث في ليبيا وفي تونس أيضاً، باعتبار أن تركيا تسعى إلى الاستفادة من خصائص تونس الجغرافية والسياسية في الملف الليبي. ولقد شاءت الجغرافيا أن تكون تونس لصيقة لليبيا وأيضاً أن يكون الإسلام السياسي المشارك في الحكم بالأغلبية النسبية في تونس صديقاً لتركيا وتحديداً إردوغان. بمعنى آخر، تبدو تونس لإردوغان مضمونة وما يحتاجه تونسياً لإنجاز مهمته في ليبيا يتعامل معه وكأنّه في الجيب!
وهنا نصل إلى قلب الخطر الإردوغاني على تونس؛ فالخطر الأوّل أنه زج بتونس في الشأن الليبي وجعلها محسوبة على طرف دون آخر أي على فائز السراج وحكومة الوفاق وضد قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر المستهدف طبعاً من الجانب التركي.
صحيح أن تونس أعلنت أنّها مع الشرعية الدولية المعترفة بحكومة الوفاق ولكن الموقف المغاربي العام هو مع الحل السياسي الليبي - الليبي، وهو ما يشترط الحياد في أقل الأحوال، بينما تونس هي اليوم محسوبة على طرف وضد طرف آخر، ممّا يجعلها مستقبلاً مسؤولة سياسياً وأخلاقياً، إضافة إلى أن عدم الحياد التونسي في هذه الأزمة الليبية الخطيرة ذات التداعيات المعقدة جداً سيمس الروابط التونسية - الليبية وسيؤثر عليها، وهي روابط حيوية لتونس قبل ليبيا، والتلاعب بها والزج بتونس في صراع ساحته ليبيا وضحيته ليبيا والمستفيدون غير ليبيين سيمثل عائقاً بين بلدين جارين متداخلين في علاقتهما.
خطر إردوغان الثاني هو أن توريط تونس في عدم الحياد إزاء الأزمة في ليبيا فجر بدوره أزمة سياسية متواصلة ومتنامية داخل تونس نفسها وخلق نوعاً من الاحتقان إزاء التدخل التركي في المنطقة وإزاء ما يرونه من تقارب بين حركة النهضة التونسية وإردوغان كشفته مواقف عدّة؛ منها زيارة رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي لتركيا مباشرة في اليوم الموالي لعدم مصادقة البرلمان على حكومة الحبيب الجملي، وأيضاً تهنئة رئيس البرلمان لرئيس حكومة الوفاق الوطني بالانتصارات المتحققة في محيط طرابلس ضد المشير حفتر وقواته. ولقد ألقى ما يحصل في ليبيا بظلاله في تونس ووصل الأمر إلى دعوات لتنحية رئيس البرلمان واتهامه بتجاوز صلاحياته والولاء لتركيا.
والمتابع للتوترات السياسية في تونس يلحظ أن تقارب حركة «النهضة» مع إردوغان بدأ يقحمها في مشاكل حقيقية هي في غنى عنها وسيحملها تاريخ دعمها لتركيا، ولقد رأى العالم شدة حساسية الكثير من التونسيين من إردوغان والامتعاض الذي عبروا عنه أثناء زيارته الفجائية لتونس مصحوباً بكوادر عسكرية من الواضح أنّها رافقته من أجل الخوض في الملف الليبي.
الخطر الثالث والعاشر يتمثل أيضاً في وضع تونس في لعبة محاور ودول إقليمية، ومن ثم معاداة غير مباشرة للدول الداعمة للمشير حفتر وعلى رأسها مصر.
فظاهر المكالمة التي أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي تبادل تهاني العيد ولكن جوهرها هو تبادل الدعوات الرسمية بين الرئيسين وتحديدا الزيارة المرتقبة للسيسي إلى تونس، وهي زيارة أولاً وأخيراً حول ليبيا وللتباحث عن كيفية الحصول على دعم تونسي لصالح المشير حفتر، وهو الدعم الذي ستقف ضده حركة النهضة المشاركة في الحكومة والتي ترأس البرلمان.
تركيا ستغرق تونس في أزمات وتوترات سياسية لا يتحملها الاقتصاد التونسي خصوصاً بعدما زاد الحجر الصحي من مشاكل في البطالة والفقر. والخوف الأكبر أن تجنح الخلافات السياسية حدّ التناحر إلى العنف واللجوء إلى الاغتيالات، فالمعركة معركة مصالح إقليمية وحيوية مرتبطة بالبترول الليبي وبقطع الطريق أمام تغول الإسلام السياسي في المنطقة المغاربية، وما أنفقته الدول الإقليمية في الصراع من وقت وعتاد ورهانات لا يسمح بأصوات تحاول إحباط المطامع.
تركيا أقحمت تونس في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل. وأغلب الظن أن صراع المصالح سيكشر عن أنيابه ودمويته أيضاً. لذلك قلنا إنّ أخطار إردوغان على تونس كثيرة وقاتلة لمسارها الديمقراطي ومعطلة لها في حل مشاكلها الداخلية والتنمويّة.
والسيناريو الأخطر هو جرّ الحياة السياسيّة في تونس إلى العنف والاغتيالات.