توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخيبة الكبرى

  مصر اليوم -

الخيبة الكبرى

بقلم : سوسن الأبطح

  المقاطعة موقف أيضاً... أن لا يتحرك سوى ربع الناخبين اللبنانيين يوم الأحد الماضي للذهاب إلى صناديق الاقتراع، فيما تضطر الأحزاب للاتصال والتمني والترجي لإقناع ربع آخر أو أقل، ثم لا تصل نسبة المقترعين، بعد جهود مضنية، إلى 50 في المائة بعد تسع سنوات من الانتظار، فهذا أمر جلل في الدول الديمقراطية التي تحترم مواطنيها.

ثمة معنى آخر لمجلس نيابي بشرعية شعبية ضئيلة. أما وأن تستنتج أحزاب وازنة ومخضرمة، أن الناخبين يحتجّون بعزوفهم الجماعي هذا على القانون الجديد للانتخاب، بدل أن يلوموا أنفسهم، ويقدموا اعتذاراتهم على أدائهم السياسي العاجز، وسلوكهم المحبط، وخطابهم المقزز الذي وصل سقوفاً معيبة، فتلك قراءة كارثية. أن تتلطى لوائح المجتمع المدني خلف حجج واهية، منها أنها لم تعط فرصة الظهور التلفزيوني الكافي، فيما إعلاناتها البراقة ملأت الطرقات والكومبيوترات، أو أن أحزاب السلطة تستشرس ضدها، فهذا ليس كافياً لتبرير أن لا تصب أصوات الناقمين على الأداء السياسي التقليدي لصالحهم، كطرف بديل مقنع. استخلاص العبر المفيدة والموضوعية، أجدى من إخراج الذرائع من الأكمام كالسحرة والمشعوذين الذين يظنون أن بمقدورهم خديعة الجمهور إلى ما لا نهاية.

الناس كبرت ونضجت، لم تعد تستظرف أن يصرّح والد عن ابنه النائب الفائز، أو يخرج ابن ليتكلم عوضاً عن أبيه المرشح. غير مقبول أن يخاطب مسؤول مئات آلاف العاطلين عن العمل، بأن هذا ليس وقت المحاسبة «وبعد الانتخاب منشوف شو منعمل». أو أن يقف سعادة النائب الذي يطلب تجديد ولايته على مقربة من جبل نفايات عرمري يبث سمومه، ولا يأتي على ذكر حلّ له، وهو يخطب ودّ جمهوره.

ثمانمائة ألف ناخب جديد على لوائح الشطب تتراوح أعمارهم بين 21 و30 سنة. هؤلاء ثلث الناخبين، كان يرتجى أن يقبلوا بحماسة، وأن يحدثوا تغييراً ملموساً بسبب خياراتهم، فتأهيلهم التعليمي ليس بقليل، ولبعض منهم ميول مدنية يسعى لأجلها. مع ذلك لم تصبّ أصوات الجيل الجديد لصالح اللوائح المدنية بالقدر الكافي، وإلا لكان الاختراق ليتجاوز الفوز بمقعد واحد يتيم. المرشحون باسم «كلنا وطني» لم يكونوا على مستوى المأمول من حركة احتجاجية تطرح نفسها كبديل للسلطة. منهم من تحوم حوله شبهات حقيقية، وبينهم من له تجارب في منطقته غير مشجعة. لعلها مجرد شائعات، لكن ما حدث في دول مجاورة من أدوار مبهمة للمجتمع المدني، يستدعي الحذر. الناشطون الجدد الراغبون في إقناع الناس بشفافيتهم عليهم أن يكونوا أنقى من البلور ويفصلهم عن الانتهازية أشواط عما يفصل غيرهم.

أخطأ المرشحون التقليديون حين ظنوا أن قليلاً من الاستعراضات الشبابية تكفي لإغراء المناصرين الغاضبين. لم يكن الرئيس سعد الحريري وحده من تقرب من الشبان بمئات من صور السيلفي، التي التقطها معهم وتقاسمها وإياهم على تطبيق خاص. فهذا الرئيس نجيب ميقاتي المعروف برصانته يرتدي قميصاً عليه خريطة لبنان. والنائب السابق فريد هيكل الخازن يطل بمقابلة تلفزيونية لابساً سروالاً قصيراً وهو يمارس الرياضة ويهرول في الشارع، والوزير السابق نقولا الصحناوي يطل وهو يدهن بفرشاته جداراً في أحد أحياء الأشرفية.

طريف ومحبب أن يكون سياسيونا شعبيين وقريبين من الناس ومعهم في الشارع والدكان. وثمة حملات أتت أكلها، لكن المشكلات باتت جذرية وعميقة. البلد على شفا إفلاس، ولم يعد بعض التنكيت يجدي أو خفة الدم تحيي الموتى الذين يقضون بالسرطان بأعداد مريبة.

ظهرت نتائج الانتخابات النيابية، واحتفل الفائزون جميعهم، ولم يحزن أحد. الكتل التي تضاعفت كما تلك التي تقلصت، اعتبرت أنها أنصفت ووصلت إلى مبتغاها. وربما أن للناخب ما يحتفي به أيضا. فغالبية القوى الصغيرة التي كانت تشكو عدم تمثيلها دخلت الندوة البرلمانية، وصار بمقدورها أن تعمل، وأن تتحالف مع بعضها وتشكل حركة فاعلة، وما عاد من مبرر للتذمر.

إنما على الجميع أن يراجعوا حساباتهم بتأنٍ. أن يدركوا أن اللبنانيين صوتوا هذه المرة لكسرة الخبز بعد أن تفاقم العوز، واقترعوا لتعليم أولادهم، وقد فاقت أقساط المدارس قدراتهم. ذهبوا إلى الصناديق يحركهم سخطهم من حملات انتخابية فارغة من أي مضمون، ومن تحالفات حزبية خبيثة لم تحترم عقولهم. اختاروا اسم مرشحهم لا حباً به بالضرورة، وإنما ثأراً من الزعيم الذي دقوا بابه، لحظة حاجة، ليوظف ابنهم ولم يفِ بالوعد. لم تتوقف تسجيلات الشبان الصغار المغتربين على وسائل التواصل التي تناشد اللبنانيين بأن يختاروا بضمير، وأن يقترعوا لمن يعيدهم إلى أرض الوطن، وأن يحسنوا الاختيار كي يتيحوا لهم العيش في دفء أهلهم، وفي بيوتهم بدل جفاء الغربة وصقيعها. شاب في عمر الورد يخبر أنه اشتاق لضحكة أمه التي لم يرها منذ سنوات. فتاة غاضبة تطل بوجهها الجميل وتسأل مواطنيها ألا يتركوها تقضي بقية عمرها محكومة بوحدة لا تريدها ولا تحتملها. أن تقرر عائلات لبنانية بأكملها المشاركة في الانتخابات بالتفرج على التلفزيون، فهذا معناه أن المشكلة ليست سياسية بين المرشحين والناخبين، ولا تتعلق بخيارات دولية كبرى، أو حسابات إقليمية وكونية.

الناخب يريد مرشحاً يصدّقه ويمنحه ثقته، وحين لا يجده بين عشرات المرشحين، رغم تعدد اللوائح واختلاف المشارب المعروضة عليه، فإنها حقاً لمعضلة أخلاقية عميقة بين المواطنين وسلطة سياسية بأكملها. لقد جعل اللبنانيون يوم الانتخابات موعداً وطنياً لإعلان «الخيبة الكبرى»، وهذا ما يجب أن يفهم ويدرك.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيبة الكبرى الخيبة الكبرى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon