توقيت القاهرة المحلي 21:57:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا بد من التطرف؟!

  مصر اليوم -

لا بد من التطرف

بقلم - سوسن الأبطح

المسافة تضيق بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن اليمينية المتشددة، وثمة من بات، لا يستبعد وصول الأخيرة إلى كرسي الرئاسة الفرنسية، لأسباب عديدة وجيهة، مع أن الفكرة، لم تكن مستساغة، قبل سنوات قليلة فقط.
عندما وصل جان ماري لوبن، زعيم «الجبهة الوطنية الفرنسية» إلى النهائيات الرئاسية في مواجهة جاك شيراك عام 2002، بدا الأمر مذهلاً وغريباً. كان ثمة جزم بأن شيراك سينالها، وأن التطرف لا مكان له في فرنسا، وقد حصل. رفض شيراك حينها بكبريائه المعهودة، حواراً متلفزاً، وجهاً لوجه مع لوبن؛ لأنه يمثل «العنصرية»، و«التطرف» وكره» الأجانب. وثمة من وصف مجرد وصول الرجل المتطرف، إلى النهائيات، بحد ذاته، «فضيحة». ابنة لوبن، مارين، لا يختلف خطابها كثيراً عن خطاب والدها، إلا في ملمسه الخارجي الأنثوي. البرنامج نفسه تقريباً، والغايات ذاتها، والمنطلقات لم تتغير. ومع ذلك ها هي مارين لوبن تصل إلى عتبة الرئاسة للمرة الثانية في مواجهة إيمانويل ماكرون، مع فارق جوهري، هو أنها أصبحت حسب التوقعات، أقرب إلى الإليزيه من أي وقت مضى؛ مما دفع صحيفة «ليبراسيون» لرفع «مانشيت»: «هذه المرة، الوضع خطر جداً».
أن تحصد مارين لوبن الأصوات، ليس مجرد صدفة رياضية. الأمزجة تغيرت، حاجات الناس، ومطالبهم تتزايد، لا حقوق الإنسان، ولا احترام المهاجر، ولا حتى قيم «الثورة الفرنسية»، يمكنها أن تصمد أمام الارتفاع القياسي في سعر البنزين، وغلاء الخبز والزيت، وتكاليف التدفئة، وشح المعاشات التقاعدية، والأخبار الهستيرية عن حتمية، تفاقم الأزمة، إذا ما استمرت العقوبات على روسيا، بسبب الحرب في أوكرانيا. وهو ما ركزت عليه لوبن، في الفترة الأخيرة، مقدمة لناخبيها برنامجاً يعزف على وتر، يومياتهم المضطربة وأمنهم، ويغازلهم بكبح الهجرة، والحد من التقديمات الاجتماعية للوافدين، وحفظ استقلاليتهم الوطنية. ومن لا يصدق أن الحمائية باتت مطلباً شعبياً، يمكن أن يرى هذه المرة بأم العين لوبن تتقدم بفارق خارق، على الحزبين الرئيسيين (الاشتراكي والجمهوري) اللذين حكما فرنسا طوال أربعين سنة، ولا يزال لهما وفرة من رؤساء بلديات ونواب في البرلمان. فهي أمام ماكرون الأوروبي حتى النخاع، تفضل مجرد تحالف مع الدول الأوروبية، يحفظ لكل دولة شيئاً من سيادتها، منتقدة ما أطلقت عليه «دولة فيدرالية عظمى محملة بالآيديولوجيا». حذرت تحليلات سياسية من أن مارين لوبن تقود فرنسا بسياساتها التطرفية إلى «فريكست» على غرار «بريكست» في بريطانيا. لوبن تنتقي من أوروبا ما يناسبها، وترفض ما يزعجها، مثل اتفاقيات التجارة الحرة، والسياسات الاجتماعية، والدفاع، والهجرة. لوبن تقدم برنامجاً غير متسق، ضاربة عرض الحائط بالتعددية الفرنسية، لكن ذلك لا يهم.
محظوظة جداً لوبن هذه المرة. خروج مرشح، يفوقها تطرفاً مثل إيريك زيمور، بجلافته وعنصريته، وفجاجة خطابه، حصد سبعة في المائة من الأصوات، ستصب لصالحها، كان أكبر خدمة لها. بدت المرأة مقارنة بعنجهية زيمور وكأنها قطة وديعة، شديدة الاعتدال والإنسانية. زيمور قفز حتى على الأسماء العربية يريد تغييرها، وكلّف نفسه إيقاف استبدال السكان الأوروبيين بالمسلمين المهاجرين وأحفادهم، ووصف المهاجرين القصّر بأنهم «لصوص» و«قتلة» و«مغتصبون»، وطالب بإعادتهم إلى بلدانهم، حماية للفرنسيين من «غزو مستمر» يستهدفهم وجودياً.
كان لافتاً انقسام الفرنسيين في تصويتهم في الدورة الأولى إلى ثلاث فئات، بحيث صوّت الثلث لليمينية المتطرفة لوبن، وثلث آخر لوسطية إيمانويل ماكرون، والثلث الأخير لليساري الراديكالي ميلانشون، ووزع الفتات على الآخرين. أما المثير، فهو أن ناخبي ميلانشون اليساري، الساخطين على خروج مرشحهم من الحلبة، سيمتنع بعضهم عن التصويت، ويصوت آخرون للوبن، لا حباً بعنصريتها، بل منعاً لوصول ماكرون.
هكذا يبدو، أن عناصر عدة تخدم لوبن التي لطّفت من خطابها الانتخابي، ودافعت عن تقاعد مبكر، ووعدت بالعودة إلى المواطنين في استفتاءات شعبية لاتخاذ قرارات مصيرية، ودعت لمنع الحجاب في الأماكن العامة، وفرض غرامة على من ترتديه تماماً كحزام الأمان.
وربما ما يخدم المرشحة المتطرفة، ليس الاختلافات الجذرية بين برنامجها وما يقدمه ماكرون، وإنما اقتراب ماكرون من طروحاتها، إرضاء للرغبات الشعبية، أكثر من أي وقت مضى، في الوقت الذي بقيت فيه هي صامدة في مواقفها.
فرجل الانفتاح والعولمة، بات مضطراً إلى تشجيع شراء الصناعة الفرنسية والحد من الاستيراد، تماماً مثل لوبن، وعلى عكس ما كنا نرى في سنوات خلت، فإن ماكرون يعد بحزم في التشدد بمنح الجنسية الفرنسية، وطرد المخالفين للقوانين من المهاجرين، وتشجيع الزراعة، والعناية بالقطاع العام بعد أن كان القطاع الخاص سيداً في البرامج السابقة، للمرشحين التقليديين.
فازت بالفعل مارين لوبن، حتى وإن وصل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية مرة ثانية. فازت لأنها نجحت في الحصول على نحو نصف أصوات المقترعين، ولأنها أصبحت قياساً إلى مجنون في التطرف كزيمور، من القوى التقليدية السياسية المقبولة لا المنبوذة كما كان يحدث سابقاً. ونجحت في أن تجمع حتى أصوات قوى اليسار، وإنْ مكرهين، بعد أن كان ينظر إليها كوباء يتوجب ردّه. في الخلاصة، متطرفو الأمس هم أكثر قبولاً اليوم، وقد يضحون مطلباً عزيزاً غداً، حين تصبح الحمائية، في نظر الشعوب المنهكة، واجباً وطنياً، على كل رئيس أو رئيسة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا بد من التطرف لا بد من التطرف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 06:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 19:30 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة نجلاء بدر تعلن وفاة عمها عبر "فيسبوك"

GMT 18:12 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

إغلاق مقاهي روما تحسبًا لشغب جماهير ليفربول

GMT 06:50 2022 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

تألق البرازيلي برونو سافيو في 9 مباريات مع الأهلي

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أرز بالبصل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon