توقيت القاهرة المحلي 00:27:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خطر انقطاع النسل

  مصر اليوم -

خطر انقطاع النسل

بقلم:سوسن الأبطح

الشامتون بانخفاض عدد سكان الصين كثر، وهم في الغالب، أسوأ حالاً، وأصعب مآلاً. أوروبا تناقش بفرح فضائل أن ينقص عدد الصينيين 850 ألف شخص في سنة واحدة، للمرة الأولى منذ ستة عقود. وأميركا تعدّ وتحلل مزايا الظاهرة، وانعكاساتها السلبية على عدوها الأول، ومنافسها الأشرس، على قيادة العالم واقتصاده. لكن دراسة حديثة تظهر أن أوروبا بشكل عام، وضمنها بريطانيا، انخفض الإنجاب فيها العام الماضي بما نسبته 14 في المائة. وهي في الأصل قارة تشيخ ولا تتجدد.
لم تعد المرأة الصينية تنجب أكثر من 1.15 طفل. أي أن الموتى لا يعوضون، بل تتقلص الكتلة السكانية. لكن النسبة تكاد تكون مشابهة في اليابان التي تعاني من نقص في الشباب ووفرة في عدد العجائز. وثمة ما هو مشابه كذلك في كوريا الجنوبية. بعض المهللين لتناقص عدد الصينيين، يريدون إلقاء اللوم على سياسة الطفل الواحد، والقول إنه بلد فاشل، يعتمد قرارات قمعية، تنتهي بتصدع وانهيار.
والصين بدأ عدد سكانها يراوح مكانه منذ تسعينات القرن الماضي، والتدهور الديمغرافي كان متوقعاً لكن بعد خمس عشرة سنة على الأقل.
الوباء وموت آلاف البشر بسبب استشراء المرض لم يكونا من ضمن المتوقع في الصين ولا أميركا.
أوروبا كلها، تعيش المأزق نفسه، مع فارق جوهري هو أنها مستعدة لاستيراد البشر وتجنيسهم. فقد تمكنت ألمانيا بعد قبولها مليون لاجئ خلال فترة قياسية، من رفع مستوى الإنجاب بشكل غير مسبوق، ومع ذلك لم يصل بعد إلى 2 في المائة المأمولة لكل امرأة، للحفاظ على عدد السكان. وكانت ألمانيا قبل سنوات قليلة، في وضع مشابه للصين اليوم، بحيث لا تكفي الولادات لتعوض الوفيات.
لكن التجنيس وقبول طلبات اللجوء، ولو بشكل مدروس كما اتبعته أوروبا، منذ القرن الماضي، خوفاً من شيخوخة، فعجز، فإفلاس، سياسة عواقبها ليست بالسهلة أيضاً. فنمو اليمين المتطرف الكاره لهذا التنوع الهجين ورفض الآخر أشبه ببدء تمزق النسيج الاجتماعي، وصعود نحو خلافات أهلية تحتاج إلى حنكة وحكمة لترويضها. أما وأن الوضع شائك هكذا فليست الحروب والأزمات الاقتصادية، وانخفاض مستوى المعيشة، وتقهقر الخدمات الصحية، هي المناخات المناسبة لتذليل هذا النوع من العقبات.
قبل يومين تصدّر الصفحة الأولى لصحيفة «اللوموند» الفرنسية الرصينة، عنوان مزلزل: «أوروبا: شح كبير في الأدوية». نحن لسنا في زمن الوباء وإغلاق المطارات ووقف الملاحة. ومع ذلك كتبت الصحيفة عن فقدان الكثير من الأنواع من بينها منتجات الباراسيتامول. نحو 3 آلاف صنف بات يصعب تأمينها للمرضى بشكل سلس، بسبب الحرب، وبعد مصادر الإنتاج وضعف سلاسل التوريد، وكل المعوقات التي نسمعها باستمرار.
وبحسب الدراسات، فإن الوباء والحجر وما تبعهما من كوارث اقتصادية وحربية، أدت فعلاً إلى كآبة عالمية، ورؤية سوداوية للعالم، مع ضعف قياسي في مستوى الإنجاب ليس في بلدان أوروبية فقط، بل في بلد مثل الهند تعد الكثافة السكانية فيه كارثة محققة، لكن الارتفاع لم يعد على الوتيرة السابقة. ولبنان الذي يعاني مشكلاته الخاصة، ويحتمل ما يصيب العالم، أصبح أقل خصوبة من بعض الدول الأوروبية، والأقل إنجاباً على الإطلاق بين كل الدول العربية، إذ انخفضت نسبة الولادات إلى 1.2 لكل امرأة. وإذا ما أضيف إلى صعوبة العثور على حليب الأطفال ومن ثم إلحاق الأطفال بالمدارس، وهجرة الشباب الكثيفة، مع ضعف العناية الصحية، تدرك أن لبنان يتحول تدريجياً، لولا وجود اللاجئين السوريين الذين احتفظوا بنسب ولادات مرتفعة، إلى مأوى حقيقي للمسنين الذين لا يجدون من يعنى بهم.
سكان الأرض ازداد عددهم بشكل هائل في السنوات السابقة، حتى لتشعر بأن الأرض تغصّ بسكانها، وتعجز عن إطعامهم ومدّهم بالأوكسجين الكافي. لكن الوتيرة الإنجابية لن تحتفظ بخطها التصاعدي، إذا ما استمر الأرق البشري على ما هو عليه. ثمة تقاعس عالمي عن الزواج، وهناك تأخر وفي أحيان صدود كبير عن الإنجاب.
هذا لا يعني أننا سنندثر كجنس. ثمة شعوب تأخذ على عاتقها تجديد الكوكب، لكنها غير تلك التي أفنت جهود أبنائها في العمل والكد، وألهتهم عن أدوارهم الطبيعية، ببناء الاقتصادات، ووترت أعصابهم بسؤال التفوق، وأدخلت نفسها بقوة في سباقات الرخاء الليبرالي المكلف.
الديموغرافيا ستكون عنصراً حاسماً في تغيير شكل العالم في المستقبل القريب. الصين قد تتغلب على مشكلتها بتشجيع أكبر للإنجاب وقد لا تستطيع. لكن المشكلة تتجاوزها، لتعم أوروبا وتزحف إلى أميركا وكندا وأستراليا. هل الجنس الأبيض مهدد؟ والأصفر أيضاً؟ ولأي لون وجنس ستكون الغلبة؟ وكيف؟ ثمة بعض الإجابات تطل برأسها من ألمانيا وفرنسا، لكن الأجوبة النهائية قد تحتاج إلى عقد أو أقل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطر انقطاع النسل خطر انقطاع النسل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة

GMT 00:43 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تشيلسي الإنجليزي يستقرّ على بديل أنطونيو كونتي

GMT 10:07 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

عفو رئاسي من السيسي عن متهمة في قضية شهيرة

GMT 12:49 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

النني ينعش خزينة الأهلي ب81 ألف جنيه استرليني

GMT 01:58 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

صورة الفنانة شادية قبل وفاتها تبكي محبيها

GMT 08:06 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هند صبري سعيدة بجائزة فاتن حمامة وتبرز معادلة نجاحها الصعبة

GMT 23:51 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

فوائد العناق بين الزوجين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon