توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعجرف الغرب

  مصر اليوم -

تعجرف الغرب

بقلم:سوسن الأبطح

معيب الضجيج المثار حول «البشت» الذي أحب أمير قطر أن يلقيَه على كتفي مُضيَّفه ليونيل ميسي، مشاركاً إياه فرحته بفوزه مع فريقه بأكبر جائزة كروية في العالم، وبتتويجه شخصياً أفضلَ لاعبٍ في البطولة. فهل وصل ضيقُ الصدر الغربي حدَّ التحسس من ظهور بطل رياضي بعباءة؟
نحن نلبس الجينز، والبدلة مع الكرافات، والفساتين التي ابتكرها لنا الغرب ولا تمت إلى تراثنا بصلة، منذ عشرات السنين. وبيننا من يعتمر القبعات الإفرنجية على أنواعها، حتى في مناسبات وطنية، ولا نشعر بإهانة.
عندما استضافت المكسيك عام 1970 كأس العالم، وتُوِّجت البرازيل باللقب، احتفل بيليه بفوز بلاده مرتدياً «الصَمْبرِيرة»، القبعة المكسيكية التقليدية الكبيرة الحواف، ولم يُحدث ذلك صدمة، ولم يُثر جدلاً.
ما قيمة تنظيم كأس العالم، كل مرة في بلد، إن لم يكن أحد أهم الأهداف تعارف الشعوب وتثاقفها؟ فهل يتوجب علينا أن نذوب كلياً في الآخر؟ وهل التحضُّر هو أن نختفي، ونتحول إلى مسوخ لا لون لها؟
قطر استعرضت في الترويج للعباءات النسائية، واستخدام آيات قرآنية تدعو إلى الانفتاح وتعارف الشعوب، واعتماد تميمة للدورة، هي شخصية ضاحكة بزي عربي، وشماغ أبيض مع عقال، واستحضار صوت الأذان. فذاك جزء من دورها، كمضيف لحدث كوني، له هويته وعاداته وأغنياته، موسيقاه، رقصه، ولغته. فالزوار يقطعون المسافات لحضور المباريات، ولعيش أجواء البلاد، والتعرف على مناخاتها.
بدا خلال المباريات أن الروح المتسامحة المرحة تغلب النكد. لكن مع انتهاء اللعب الذي خلب الألباب ودوخت «ماتشاته» العباد: «ذاب الثلج وبان المرج». انتقلنا فجأة، من جنون فنون الكرة وجمالياتها المبهرة، ومهارات الأجساد وليونتها المدهشة، إلى هوس التدقيق في التفاصيل، ونبش المعايب، وتوزيع الاتهامات.
بدأت الحرب باكرة ضد قطر، لتخريب المناسبة، وتنغيص الفرحة؛ لكن البشر بطبيعتهم يحبون التسالي والمرح. فقد جاء هذا المونديال، بعد سنوات عجاف من الوباء والانهيارات والحروب والأزمات، فبدا العالم متشوقاً لنسيان سوداويته، غير عابئ بالدسائس والحبائل. لكن صورة «البشت» في اللحظة الأكثر حساسية ومشاهدة، أغضبت الصحافة الغربية. وجدت «التلغراف» البريطانية: «إنه لأمر مخزٍ أن القميص الأزرق والأبيض الذي كان يرتديه ميسي قد تمت تغطيته». حطمت قطر «أعظم لقطة في التاريخ بإجبار ميسي قائد الأرجنتين على ارتداء البشت العربي».
أعدت مشاهدة المقطع تكراراً. وجدت ميسي فرحاً منشرحاً، وقميصه واضح تحت العباءة. والفريق بأكمله تلتمع قمصانه الأرجنتينية، وهم يرقصون ويحتفلون بالكأس. بل إن «البشت» بات مطلباً لكثير من الأرجنتينيين وغيرهم الذين أحبوا الاحتذاء بأسطورتهم، وهذا ربما ما أزعج وأغضب. فهجوم التلفزيون الألماني لم يكن أقل ضراوة من «التلغراف».
الأرجنتينيون أنفسهم قدروا الخطوة باتجاه أسطورتهم، وأحبوا تكريمه على هذا النحو. وللتأكيد على أن الغضب هو من بنات أفكار سيئي النية، فإن مجموعة صور ميسي بعد المباراة، وبينها صورته بالعباءة، حازت أكثر من 67 مليون إعجاب. وهو أكبر عدد «لايكات» تسجله صورة في تاريخ منصة «إنستغرام» على الإطلاق.
هكذا لم تتمكن البلديات الفرنسية التي امتنعت عن عرض المباريات في الأماكن العامة، احتجاجاً على ما اعتبرته سجل قطر في حقوق الإنسان، من منع المواطنين المتعطشين لمتابعة فريقهم، من التجمع والصراخ والبكاء، والانتقال في المباراة النهائية من الحزن إلى الفرح جيئة وذهاباً، حتى أُنهكوا تشويقاً، قبل أن يصابوا بخيبة أمل، بسبب ركلات الترجيح التي لم تأتِ لصالحهم.
المؤسف أن الأزمات الغربية الاجتماعية المتلاحقة باتت تنعكس مزيداً من التطرف والتعجرف في التعاطي مع المختلف، وكأنما لم يعد من مكان لغير اللون الأبيض.
سلوك يتصاعد في الملاعب، منذ سنوات. لفت النظر العام الماضي، في كأس الأمم الأوروبية، بعد مباراة جمعت إيطاليا وإنجلترا في لندن؛ حيث خسرت الأخيرة بسبب فرص أضاعها 3 لاعبين من ذوي البشرة السوداء، فانطلقت ضدهم الهجمات العنصرية على وسائل التواصل. وهو نفسه ما تعرض له في كأس العالم اللاعبون الأفارقة في الفريق الفرنسي الخاسر. لم ترحم الألفاظ البذيئة، والاتهامات المشينة، كينغسلي كومان وأوريلين تشواميني، لتضييعهما ضربتي جزاء. وكما في كل مرة، قُذفوا بأبشع الألفاظ التي لا تمت للإنسانية بصلة.
كيليان مبابي، عبقري المستقبل، مع أنه سجل لفرنسا أهدافها الذهبية الثلاثة في المباراة النهائية، فإنه يُحمل على الأكتاف حين يصيب الشباك، وينال أبشع الشتائم حين لا تأتي نتائجه على المستوى المطلوب.
العنصرية موجودة في ملاعب كرة الكرة، أينما كانت. لعبة عنيفة، تقوم على شد عصب كل فريق ضد الآخر، ونجحت في الأصل لأنها تراعي في بنيتها الأساسية غرائز البشر، وعصبيتهم مع محاولة تهذيبها وتقنينها. لكن العقال يفلت، واللوم، حين يأتي ذلك ممن يريدون أن يلقنوا الأمم والشعوب دائماً، دروساً في الخلق، وحسن السير والسلوك.
بنظرة سريعة على الفريق الفرنسي مثلاً، يخيل إليك أنه آتٍ من أفريقيا، على الرغم من حرص كثير من النوادي على موازنة ألوان وخلفيات المنخرطين، كي لا ترجح الدفة لفئة دون أخرى. لكن النتيجة تأتي دائماً لصالح العرب والأفارقة الأكثر فقراً وحرماناً، بسبب تعطشهم للفرص. فحين يكون الفريق في غالبيته الساحقة ملوناً، فإن الأخطاء ستكون على الأرجح من نصيبهم.
ثمة تيار مناهض للعنصريين، واليمينيين المتطرفين؛ لكن أوروبا تفقد سماحتها، وصدرها يضيق حتى بعباءة تقليدية بسيطة، لا يرى فيها العرب سوى تكريمٍ للضيف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعجرف الغرب تعجرف الغرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon