توقيت القاهرة المحلي 21:57:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوكرانيا «صندوق باندورا»

  مصر اليوم -

أوكرانيا «صندوق باندورا»

بقلم:سوسن الأبطح

ها نحن نكتشف أن أوكرانيا هي التي تطعمنا خبزاً، وتزود المنطقة بالذرة وزيت دوار الشمس. وهي موطن للبترول والغاز، والموقع الذي تتجمع فيه أربع محطات نووية بمقدورها أن تنهي وجودنا على الكوكب بلمح البصر. ومع ذلك أوكرانيا دولة فقيرة، أكلها الفساد ونخرتها البيروقراطية، منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي وهي تحاول الخروج من عثراتها. صارت تتطلع بحسد إلى بولندا وجيرانها الذين خرجوا من عباءة الشيوعية، وقفزوا صوب رأسمالية عفية. تتعثر أوكرانيا، ويظن أهلها أن المخرج هو بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي، ليعم الازدهار، وقد تكون الأزمة في الداخل نفسه ونزاعاته التي لا تنتهي.

فمن المجحف لدولة تنتج السيارات والطائرات والدبابات ومراكب فضائية وصواريخ، ولها نشاط بحثي علمي كبير، ومعرفة تكنولوجية مرموقة، ومداخيل تناهز 200 مليار دولار سنوياً، ويبقى 19 مليوناً من سكانها، أي نصفهم، تحت خط الفقر، ثم تأتي الجائحة لتزيد من عوزهم. الخلاف الإثني، الصراع على الهوية، ونزاع مواطنيها على الجنوح شرقاً صوب روسيا أو غرباً باتجاه الاتحاد الأوروبي، كان مقتلها. ثم إن العصبيات والحمايات، عززت قدرة بعض من هم في السلطة على تعميق الفساد والاستفادة من الصفقات. هذا الخليط السكاني الديني اللغوي، لم يجد بعد الاتحاد السوفياتي، مظلة موحدة يأوي إليها. ليست القضية أن تذهب أوكرانيا باتجاه روسيا كما بيلاروسيا أو أوروبا، كما أخوات كثر لها في شرق أوروبا، بل أن تتفق على ما هو قابل للتنفيذ. بسبب القبائلية لم تتحول إلى ديمقراطية حقة، ولم تتمكّن من الاستسلام لسلطة مستبدّة تسيّر أمورها، فوقعت في فخ الاثنين معاً.
تعاملت بحذر وأحياناً بعداء، مع روسيا، فلم تتمكن من تطوير قدراتها العسكرية والصناعية الموروثة، كما يجب، ولم تفلح في الانضمام إلى أوروبا، فخسرت الشروط الإصلاحية الجذرية التي كانت ستملى عليها لتبلغ غايتها، وتلك كانت مهمة صعبة.
بين الشرق والغرب، ضاع الأوكرانيون، ولم يتحدث العالم إلا عن نسائهم الجميلات، بمَن في ذلك النائب البرازيلي رثر دو فال، الذي ذهب لدعم اللاجئين المنهكين على الحدود، وتبرع بآلاف الدولارات، ثم فضح طواياه بتسريب مسجل يتحدث فيه عن الفتيات الجميلات الفاتنات اللاتي لم يرَ مثلهن من قبل. وكي تكتمل الفضيحة، يشرح: «إنهن سهلات المنال لأنهن فقيرات... لذا بمجرد أن تنتهي هذه الحرب، سأعود إلى هناك». هكذا رأى كثيرون أوكرانيا التي تنام على كنوزها من الفحم والحديد والزئبق، خصوصاً التيتانيوم والكبريت والليثيوم الثمين الذي يدخل في صناعة البطاريات والهواتف الذكية.
حتى الأوروبيون لم يعيروا أوكرانيا، أو ما بات يعرف اليوم بـ«سلة غذاء العالم»، اهتماماً في البدء، رغم موقعها الاستراتيجي الحاسم على البحر الأسود، وعلى مقربة منهم.
الآن لمعت أوكرانيا في عيون الجميع. تذكروا «تشيرنوبل» ومآسيه، القاتلة ومحطاتها للطاقة النووية ذات القدرة الهائلة، وما يمكن أن تشكله من خطر، وأنابيب الغاز الضخمة التي تعبرها وبفضلها تعيش أوروبا، وسككها الحديدية النشطة. الآن وقد وصل الجيش الروسي إلى مشارف كييف، انقلبت الدنيا، ولن تعود أبداً كما كانت، ليس فقط لأهمية أوكرانيا الجيوسياسية والغذائية للعالم أجمع، بل لأن منطقتي دونيتسك ولوهانسك الغنيتين لن تعودا إلى أوكرانيا ومعهما القرم، وعلى الأرجح أوديسا التي تنتظر اجتياح جيوش بوتين ليحكم قبضته على الشواطئ الأوكرانية ويعزل البلاد عن متنفسها البحري.
لن تتوقف حكاية أوكرانيا عند التهديدات النووية، وارتفاع أسعار النفط والغاز، وجوع البشرية، وتجمع جديد لمقاتلين مرتزقة من أوروبا وآسيا، واحتمال انهيار عملات رئيسية. فالتهديدات الجرثومية هي الأخرى تطل برأسها. ويتبين أن ثمة مختبرات بيولوجية، يحكى عن أنها تنطوي على كميات من الفيروسات الخطيرة، وهذا ليس بمستبعد. كما نشر أن روسيا اكتشفت، خلال اجتياحها أوكرانيا، أن الولايات المتحدة تستخدم هذه المنشآت في البرامج العسكرية البيولوجية.
المختبرات البيولوجية موجودة، وثمة تعاون بين أميركا وأوكرانيا بعد الثورة البرتقالية لتجديدها، لكن الخلاف هو على وظيفتها ومحتوياتها، ومن سيمتلك زمامها في الأيام المقبلة، وماذا سيفعل بها وبنا، فكل جهة تتهم الأخرى بأنها ستستولي عليها، ويمكن أن تستخدمها للإيقاع بالطرف الآخر وتوريطه بتحميله المسؤولية.
المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند لم تستبعد إمكانية وقوع أبحاث حساسة، في أيدي الروس. أما الصين التي اُتهمت طويلاً بأنها مفبركة فيروس «كورونا»، ففتحت النار على الأميركيين، وهي تؤكد أن الأنشطة العسكرية البيولوجية الأميركية في أوكرانيا هي «قطرة في بحر»، من أصل 336 من المختبرات البيولوجية الأميركية المنتشرة في 30 دولة حول العالم. وبالمناسبة طلبت الصين من أميركا الكشف عن نواياها ومشاريعها، وأن تقبل بعد تمنّع عشرين سنة، إضافة بروتوكول التحقق إلى «معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية»، والخضوع لعمليات التفتيش في بلادها وخارجها، كي يعرف المجتمع الدولي الخائف ما يحدث في هذه المختبرات.
أوكرانيا دولة مهيضة، أكثر ما اشتهرت بثورتها البرتقالية التي فشلت بسبب احتدام الخلافات، بين من تسلموا السلطة، وانتهى بهم الأمر إلى الخروج منها.
لكن يصح القول عن هذا البلد المسكين ما قاله الباحث الفرنسي جيل كيبل عام 2003 عندما دخلت القوات الأميركية إلى العراق، مستعجلة على حصاد نصر سريع. عندها وصف كيبل جورج بوش الابن بأنه فتح عليه «صندوق باندورا» الذي منه في الميثولوجيا اليونانية، تخرج كل شرور العالم. ويخشى أن تكون أوكرانيا صندوقاً آخر، لا يختلف كثيراً عن الذي فتحه بوش ذات يوم في العراق، ليصبح المستقبل بأسره، من بعدها، رهن اللامتوقع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا «صندوق باندورا» أوكرانيا «صندوق باندورا»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 06:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 19:30 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة نجلاء بدر تعلن وفاة عمها عبر "فيسبوك"

GMT 18:12 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

إغلاق مقاهي روما تحسبًا لشغب جماهير ليفربول

GMT 06:50 2022 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

تألق البرازيلي برونو سافيو في 9 مباريات مع الأهلي

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أرز بالبصل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon