توقيت القاهرة المحلي 02:14:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التعليم فشل

  مصر اليوم -

التعليم فشل

بقلم - سوسن الأبطح

لم يعطِ «التعليم عن بعد»، النتائج المرجوة، وفي الدول الفقيرة، بشكل خاص، جاءت الحصيلة مدمرة. كل المديح الذي كيل للتعليم الإلكتروني، ذهب هباء الريح، بعد التقارير الأممية المتعددة، التي تحدثت عن أرقام مخيّبة. «شيء واحد نعرفه على وجه اليقين، هو أن موجة أخرى من إغلاق المدارس على نطاق واسع، ستكون آثاره كارثية على الأطفال... المدارس يجب أن تكون آخر موقع يتم إغلاقه وأول مكان يُعاد فتحه»، هذا ما قالته المديرة التنفيذية لمنظمة «يونيسف» هانرييتا فور. وهو ما يفسر إصرار وزراء التعليم جميعهم، حتى في أكثر المناطق تضرراً من تسونامي «أوميكرون»، على إبقاء التعليم حضورياً، رغم الغضب الشديد من الأهل والأساتذة معاً. وكانت المدارس العام الماضي، أول ما يتم إغلاقه على اعتبار أن الأطفال ينقلون العدوى بدون أعراض، ويمكنهم أن يتسببوا في قتل الكبار، لكن كل ذلك لم يعد مهماً، بعد أن ظهرت النتائج، وأحصيت الخسائر. تبين أن غالبية ساحقة من الأطفال في نهاية المرحلة الابتدائية، أصبحت عاجزة عن قراءة نص بسيط، في دول منخفضة أو متوسطة الدخل. الرياضيات والقراءة، هما نقطتا الضعف الكبرى. والصغار أسوأ حالاً من الكبار. لا شك في أن السنة الفائتة كانت لمئات ملايين التلاميذ، مجرد هدرٍ للوقت. المستوى التعليمي تدنى، في العالم كله، وتكبّد البشر خسائر فادحة. فالعلاقة وثيقة بين التعليم والاقتصاد، لهذا يقول تقرير للبنك الدولي إن الخسارة العالمية، لإغلاق المدارس، بلغت 17 تريليون دولار، من الأرباح المحتملة على مدى الحياة، كان يمكن أن يحققها هؤلاء الأطفال، لو تمكنوا من تحصيل المعارف كما يجب.
وزراء التربية يحاولون حلّ مشكلة فيقعون في أخرى. في فرنسا ودول أوروبية غيرها، تم اعتماد الفحوصات المكثفة للتلامذة، ومتابعة الحالات كلما اكتشفت في صف، لتجنيب الباقين الوباء. أُنهك صغار الفرنسيين من الكمامات، وكثرة الفحوصات، وطالت طوابيرُ الانتظار أمام مراكز الاختبارات. صفوف تُفتح وأخرى تُغلق، امتحانات تؤجل، معلمون يستشيطون، وفوضى تستفحل. تم تخفيف التدابير، للمرة الثالثة منذ بداية العام، ومع ذلك ما لا يقل عن 10 آلاف صف كانت قد أغلقت في وقت واحد، بسبب كثافة الإصابات.
إسرائيل تباهت بأنها سبقت الأمم بالتطعيم والحماية، وتفاءلت باستعادة اقتصادها نشاطه، نقيب المعلمين هناك ران إيريز، يصف نظام التعليم بأنه «يعيش حالة من الفوضى الشاملة، ليس لها مثيل من قبل، حتى في أحلك الظروف». المدارس والجامعات الأميركية، في وضع مضطرب للغاية في بعض الولايات، كتب أستاذ: «إن (أوميكرون) يجعل التعليم يجثو على ركبتيه». ويتساءل زملاء له «كيف يمكنك ان تشرح درساً جديداً، وثلث تلامذتك مرضى في بيوتهم»؟ هذا حال المعلمين في كل مكان. مع تزايد الحالات، يغيب فوج عن الصف ليعود آخر. والأسوأ حين يطيح الفيروس الأساتذة أنفسهم بالجملة والموظفين معهم. في الدول الفقيرة، تضيف إلى ما سبق رداءة الإنترنت، وعدم توفر الأجهزة، خلال فترة التعليم عن بُعد، استتبعه تسرب مدرسي، وفي أحسن الأحوال تأخر تعليمي، قد يصبح تعويضه من المستحيلات.
فرضت الضرورة «التعليم عن بُعد»، قبل أن ينضج، وتسخّر له مناهج تتكيف معه، فجاء مضجراً ثقيلاً، يبعث على النعاس. وحين فرض التعليم حضورياً، كانت الجائحة قد أصبحت أقل خطراً، لكنها أوسع انتشاراً، والمرضى أكثر عدداً. في أميركا تجاوز عدد الحالات الجديدة المليون في يوم واحد، وفي فرنسا الثلاثمائة ألف، وينتظر أن يصيب الداء نصف الأوروبيين خلال الشهرين المقبلين، مما يعني أن الموجة الجديدة لم تبلغ ذروتها بعد.
أطفال العالم وشبابه، على مشارف إنهاء عامين خضعوا خلالهما لتجاريب تربوية متسرعة. «تسببت الجائحة في أكبر خسارة في رأس المال البشري في الذاكرة الحية، وأسوأ أزمة تعليمية منذ قرن»، هذا كلام رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس، الذي يعرف بعمق خطورة الأزمة. الفيروس يملي مع كل موجة شروطاً جديدة، وهو يغير ملامحه وأعراضه، وليس على الإنسان سوى الاجتهاد للتكيف، فيصيب أو يخيب، ما يعرّض مئات ملايين الأطفال، لمخاطر الإخفاق، وفقدان فرص مستقبلية.
طفل دخل الصف الأول عام 2019 يصل للصف الثالث ولم يعرف حياة دراسية تؤمن له الحد الأدنى من الانتظام. طالب شاءت الصدف أن يبدأ دراسته الجامعية مع الوباء، قد يتخرج قبل أن يعرف معنى التجربة.
لم يكن التعليم بخير قبل الوباء. الهوة تتسع بسرعة بين واقع يتغير بلمح البرق، ومناهج تتكيف ببطء السلحفاة. هذه ليست معضلة الفقراء وحدهم، وإن كان حالهم أصعب؛ اذ لم تتمكن المليارات التي صرفت لتطوير النظم التعليمية في الدول النامية من إنقاذ الوضع. بين الإهمال والفساد وسوء التدبير، ضاعت المساعدات، وضاع جيل كامل. في العامين الماضيين فقط أنفق البنك الدولي أكثر من 11 مليار دولار لدعم التعليم في الدول النامية، لكن الفجوة بين الفقراء والأغنياء استفحلت.
الهيئات الدولية تقرّ بأن التعليم على ما هو عليه اليوم، وصل إلى فشل. ثمة دعوة من «اليونسكو» لإعادة التفكير في المدرسة بشكل مختلف، من حيث الهندسة، والمساحات والأوقات، والجداول الزمنية، ومجموعات الطلاب. «إعادة تصور مستقبلنا معاً» هي المبادرة الأممية المفتوحة، التي تدعو الجميع من شباب ومعلمين ومجتمع مدني، وشركات وحكومات، وكل من يهمه الأمر، لتقديم تصوراتهم، لما يمكن أن يصبح عليه التعلم والتعليم.
لـ«كورونا» منافع، ومن بينها الاعتراف أخيراً أن «المدرسة التقليدية»، في الوباء ومن دونه، آن لها أن تتغير جذرياً، شكلاً ومضموناً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعليم فشل التعليم فشل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon