توقيت القاهرة المحلي 00:27:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحدي الأعظم لبايدن: الصين

  مصر اليوم -

التحدي الأعظم لبايدن الصين

بقلم : سوسن الأبطح

بينما كانت أميركا غارقة في خلافاتها الانتخابية التي تجاوزت كل متوقع، ومشغولة بدفن ضحايا الوباء بالآلاف، والترويج للقاحاتها السحرية، نجحت الصين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بإبرام أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم، مع جيرانها الأقربين والأبعدين، شمل 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادي. ويضم الاتفاق 10 دول في جنوب شرقي آسيا إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا. والأهم أن الصين، وقد باتت مصنع العالم، ضمنت بهذه الاتفاقية التي تتيح التبادل التجاري السهل، تحت جناحيها، أكثر من ملياري نسمة، وثلث التجارة العالمية، وسددت ضربة للهند التي خرجت من المفاوضات. وما كان للرئيس الصيني شي جينبينغ أن ينجح في مبادرته التي استغرقت سنوات، ويضع أميركا خارجاً، لولا تخلي دونالد ترمب عن «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي» التي كانت تشمل غالبية هذه الدول عام 2018. ثم وجدت نفسها بسبب الحمائية الترمبية، من دون قائد.
الفترة الحرجة التي مرت بها أميركا، والعلاقات المتشنجة بين إدارة ترمب وأوروبا استفادت منها الصين أيضاً، وتوصلت قبل 3 أسابيع من تولي جو بايدن السلطة، إلى «اتفاق شامل بشأن الاستثمارات» بين الطرفين.
تغاضى الأوروبيون عن أعزّ مبادئهم، وهم يعرفون أن مطالباتهم الملحة بتحسين أوضاع الأقليات، وتعزيز حقوق الإنسان، والعمال، ستذهب هباء الريح. مكرهٌ الاتحاد لا بطل، الوقائع تفرض نفسها. فقد تحولت الصين بعد شهور قاسية من الجائحة إلى أكبر شريك تجاري للقارة العجوز، مع تعثر الحركة التجارية الأميركية.
وأفريقيا ليست بعيدة عن القبضة الصينية، فهي لا تزال المستثمر الأكبر، والمقرض الذي تدين له القارة السوداء بـ20 في المائة من ديونها. هذا عدا طريق الحرير الممتد، وسكك القطارات التي استثمرت فيها الصين مليارات الدولارات.
ماذا فعلت الجائحة بالعالم؟ حتماً استفادت الصين حتى الثمالة، من تكذيب الأخبار الآتية منها، واعتبارها مجرد بروباغندا، مع أنها ليست دائماً كذلك، ومن اعتبار نظامها الديكتاتوري ستاراً تخفي وراءه كوارثها، من عدد المصابين بـ«كورونا»، إلى مدى قدرتها على السيطرة على الوباء، ومرونتها في التغلب على الصعوبات، وإعادة تشغيل المصانع. لا تحب الشعوب الديمقراطية الصين. وتلك نقطة يبدو أن التنانين استفادوا منها بدل أن تكون عقبة في طريقهم. فكلما أساء العالم فهم الصين، وشكك فيها، سمح لها بالتحرك بحرية أكبر. لا أحد يريد أن يصدق أن عدد المصابين بالوباء هناك أصبح يعد بالعشرات وأحياناً بالمئات، فيما المرض يأكل الآلاف يومياً في دول أخرى. أغلقت الصين مطاراتها وأعادت العمل لمصانعها كخلايا نحل. صحيح أن ثمة قطاعات شلت وسرّحت موظفيها، مثل العاملين في صناعة الشنط والألعاب والأحذية والملابس، لكن مجالات أخرى، كالمعدات الطبية والتكنولوجية والأغذية، تشهد انفجاراً غير مسبوق، وكثافة في الطلب، وعجزاً عن التلبية، بسبب محدودية القدرة على الشحن والتخزين.
بين من يذعن ومن ينادي بالتمرد على الواقع الذي يفرض نفسه، تحت ضربات الجائحة، تمضي الصين غير آبهة بالنداءات التي تخرج من هنا وهناك. فقد نشرت جريدة «ليبراسيون» الفرنسية مقالة غاضبة للنائب الفرنسي في الاتحاد الأوروبي برنارد غيتا، يطالب فيها برفض الاتفاق المفروض على الاتحاد من الصين، ليس فقط لأن النظام ديكتاتوري، ولا يحترم حقوق الإنسان، بل لأن الاتفاق غير متوازن، ويخدم الصين أولاً، ويحول العالم القديم إلى جبهة مع الصين في مواجهة أميركا، بدل أن يتكتل العالم الغربي ضد دولة شيوعية. لكن لا شيء يشي إلى اليوم، في حال استمر الوضع الاقتصادي الغربي نزولاً، بأن هذه الاتفاقية لن تصادق عليها الدول الأعضاء. يعزز هذا الرأي، الدوار الألماني من الحرب التجارية بين الصين وأميركا. فألمانيا، ترتبط كل يوم أكثر بمصانع ومصالح إضافية مع الصين، ولا تريد أن ترى استثماراتها مهددة.
تتمدد الصين في كل الاتجاهات، يبدو أنها لم توفر المناطق القطبية المتجمدة، معرفة منها بأن تحولات المناخ، ستدفع باتجاه تلك البقاع، وهي سبقت وبدأت مشروعاتها. وإذا كانت الزراعة هي العماد الذي قامت عليه الثورة الماوية أساساً، ولم تكن طلائع الثورة الصناعية إلا تدعيماً آلياً لمئات ملايين المزارعين، فإن الطموح الصيني وصل إلى المريخ، وهو لن يكتفي بذلك.
تريد الصين أن تصبح «واحدة من أكثر الدول ابتكاراً» عام 2030 و«الدولة الأكثر إبداعاً» في عام 2049، عام احتفالها بالذكرى المئوية لوصول الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة. لكن بات معلوماً، أن المعلن هو دائماً في الصين أدنى من المتوقع، تفادياً لشماتة الشامتين.
صحيفة «لوموند» أمام هذا الزحف التجاري المتنامي، وصفت الصين بـ«بلدوزر الاقتصاد العالمي». وقررت طوال 5 أيام إطلاع قرائها على ما يحدث في تلك البلاد، من خلال تحقيقات ميدانية، وأرقام لا شك حولها. ورأت الصحيفة الفرنسية الرصينة، أن الصين تتقدم بينما يتأخر الآخرون. ومع نهاية عام كارثي للبشرية، خسر فيه الجميع، تمكنت الصين من تحقيق نمو بنسبة 2 في المائة. وإن استمر الوضع على ما هو عليه، ستكون أميركا خلال العام الحالي منشغلة بأسوأ أزمة صحية شهدتها منذ 100 سنة، فيما ستتمكن الصين من بلوغ نسبة نمو ستصل حسب التقديرات العالمية إلى 8 في المائة، وهو ما يؤهلها خلال 7 سنوات فقط لأن تتقدم على أميركا.
أخبار سيئة بالجملة، لعشاق الديمقراطية. لكن المواطن العادي، لا يأبه كثيراً، حين يصبح حلّ مشكلة البطالة أولوية، والانتصار على الجوع هو المعركة الأساس، والبقاء على قيد الحياة، التحدي اليومي الأول لمئات الملايين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحدي الأعظم لبايدن الصين التحدي الأعظم لبايدن الصين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة

GMT 00:43 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تشيلسي الإنجليزي يستقرّ على بديل أنطونيو كونتي

GMT 10:07 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

عفو رئاسي من السيسي عن متهمة في قضية شهيرة

GMT 12:49 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

النني ينعش خزينة الأهلي ب81 ألف جنيه استرليني

GMT 01:58 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

صورة الفنانة شادية قبل وفاتها تبكي محبيها

GMT 08:06 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هند صبري سعيدة بجائزة فاتن حمامة وتبرز معادلة نجاحها الصعبة

GMT 23:51 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

فوائد العناق بين الزوجين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon