توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترمب يرسم الحل

  مصر اليوم -

ترمب يرسم الحل

بقلم : سوسن الأبطح

 ليس يوم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس كما قبله. هي لحظة رمزية أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عظم محاملها. الرجل اعتبره «يوماً مجيداً»، والفلسطينيون الغاضبون حوّلوه بصدورهم العارية وغضبهم العارم إلى يوم أسود. هو مظلم للجميع، لو يدري نتنياهو، لو يعرف أن العالم لم يعد يشبه ما يحدث على تلك الأرض التي لا تزال غارقة في وحول التاريخ.

يتغنون بأرض الآباء والأجداد في إسرائيل، ويجيب محتج فلسطيني متحدياً أحد الجنود: «اثبت لي أن جدك ولد هنا، وسأعطيك بيتي»؛ حوار طرشان على أرض كل يدعي ملكيتها. يخرج متحدث ليقول إن «أورشليم عاصمة الشعب اليهودي منذ 1500 سنة قبل الميلاد». الرئيس الفلسطيني محمود عباس يجيبه بالعودة إلى الكنعانين، لا بل «نحن هنا حتى قبل سيدنا إبراهيم». حين يبلغ الخطاب على مستوى رؤساء وسفراء، يطلون على الشاشات ويصعدون المنابر لنقاش معضلة القرن، هذا المستوى العقائدي الديني، من الطرفين، يعني أننا نغوص عميقاً في الجحيم. ليس من نار أكثر توهجاً من لهب أفران الآيديولوجيات والحروب الدينية. ويبدو أن إسرائيل نجحت في استجرار العرب إلى المحرقة. اليمين المسيحي في أميركا ليس أقل توغلاً في هذا الفكر المظلم، وهو يرى في دعم إسرائيل اللامشروط تسريعاً في موعد عودة المسيح. أن يدفع آلاف الأبرياء منذ سبعين سنة ثمن أفكار لا تؤدي إلا إلى مزيد من المجازر، فهذه هي المعضلة الأكبر.

كل هذا العنف، والجنون المتمادي، يخيف دولاً وقفت إلى جانب إسرائيل كما لم يفعل أحد: فرنسا، وبريطانيا، وبلجيكا، والسويد. ثمة من بات يستشعر أن الخراب الكبير قاب قوسين أو أدنى.

يوم نقل السفارة، كانت الشاشات الغربية تنعى حل الدولتين. ولربما أن هذه الكذبة ليست إلا محاولة لكسب المزيد من الوقت، بينما كانت إسرائيل تحكم محاصرتها للفلسطينيين بجحافل من مئات آلاف المستوطنين، وتقطع أوصال الضفة، وتفتت معالم الحياة في غزة. هل لا يزال من مكان لدولة تسمى «فلسطين»، وما تبقى من الأرض يقل عن الربع؟

جاء اليهود إلى فلسطين بغرض إقامة دولة قومية لهم، في زمن صعود القوميات. أفادوا كثيراً، وتنعموا مع ارتفاع أسهم التيارات الدينية المتطرفة التي تنادي بكيانات منغلقة. لا شيء يبرر التشدد إلا الأكثر تعصباً. سقوط الحدود، وبدء عصر الانفتاح، استبقته إسرائيل بمحاولة عقد اتفاقات سلام مع دول عربية حولها، لكن هذا تعثر شعبياً مع صدود المواطنين العرب أمام تطبيع تسامحي، بينما لم تلتزم إسرائيل بأي من وعودها لمنح الفلسطينيين شيئاً من حقوقهم. كان بمقدور إسرائيل أن تلتقط اللحظة، كان الجو مهيئاً، والعرب في التسعينات فتحوا قلوبهم وصدورهم لنهاية الألم الطويل الذي استنزفهم. وصول الرئيس ياسر عرفات إلى الأراضي المحتلة عام 1994، بعد 27 سنة من المنفى، لإقامة حكم ذاتي، بدا بارقة أمل عظيمة للراغبين في وضع نهاية لمأساة رضعوها مع حليب أمهاتهم.

كل ما فعلته إسرائيل بعد ذلك كان محبطاً، قاتلاً للعزائم، مضعفاً لأي راغب في إحياء عملية السلام، بعد أن تحولت إلى جثة.

صارت المنطقة، بعد ربع قرن ونيف من الحماس للسلام، «متفجرة وعلى شفا حرب»، يقول وزير الخارجية الفرنسي. ربما ما يخيف أن الجميع يستبعد الصدام الكبير، لذا تبدو الحرب ممكنة أكثر من أي وقت مضى. النفوس محتقنة، والاستفزازات متزايدة، واليأس قد يدفع إلى ما لا تحمد عقباه.

فادي أبو صلاح، الذي جابت صورته الفظيعة العالم، علق أحدهم عليها بالقول: «سلبته إسرائيل أرضه، ثم سرقت منه ساقيه، ومن بعدها أخذت منه روحه بالأمس». ليس هذا الرجل الذي يواجه الجيش الإسرائيلي على كرسي متحرك وبالحجر سوى نموذج له رمزيته التي تكاد تضاهي رمزية نقل السفارة.

الأفق مسدود، ومشحون بسواد دخان الإطارات المشتعلة السامة، يبقى بلا بصيص، لأن الضوء الوحيد الممكن محال أن يتناغم مع ذهنية الفصل والتقسيم، وفرض الدونية على شعب بأكمله، وممارسة الظلم عليه عشرات السنين.

الأرض هبة للناس أجمعين. ثمة أماكن تتسع لكل فائض. وهذه البقعة جاءت إليها أمم كثيرة غازية، بينهم الرومان والمغول والصليبيون، منهم من بقي، وبعضهم فر واندحر. اليهود ليسوا فئة غريبة عن العرب، من مسلمين ومسيحيين. فسيفساء المنطقة يسمح لهم بالبقاء. ذهنية العصر تتيح لهم أن يعيشوا كراماً، ويتركوا للآخرين مساحة التنفس بعزة. إبقاء الصراع العربي - الإسرائيلي أسير الآيديولوجيات والنكايات والجماعات المتعصبة والمتطرفة هو الذي أغلق الأبواب. نموذج أفريقيا الجنوبية ناجح وإنساني، ورائع.

بالطبع لن تقبل إسرائيل بحل الدولة الواحدة، مع أنها لم تترك متسعاً لغيره، وبعض الفلسطينيين سيجدون في الأمر وبالاً عليهم. لكن إدوارد سعيد، وسري نسيبة، وكل الأذكياء المدنيين، الإنسانيين، الذين خبروا معنى المواطنة، أدركوا باكراً أن ما حلمت به منظمة التحرير من حل لدولتين متجاورتين لم يكن قابلاً للتحقق. الآن، وقد أغلقت المسارب جميعها، بمقدور ما تبقى من النخب العربية المخلصة أن تروج لعيش مشترك على أرض واحدة، بدل أن تترك لإسرائيل الساحة للتحريض على تقسيم البلدان العربية. المستقبل لأولئك الذين يتجاوزون أفكارهم الضيقة، ومعتقداتهم الصغيرة، وأنانيتهم المفرطة، من أجل رغد العيش وبحبوحة السلام. الدولة الواحدة ليست غداً، لكنها آتية، حرباً أو سلماً، وما نقل السفارة سوى تسريع إلى تلك النقطة الفاصلة التي لا تريد إسرائيل أن تسمع بها.

 نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب يرسم الحل ترمب يرسم الحل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon