توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نحن نريد «سايكس ــ بيكو»

  مصر اليوم -

نحن نريد «سايكس ــ بيكو»

بقلم:سوسن الأبطح

هيثم المالح لا يعترف بالجمهورية اللبنانية، مع أنه متخصص في القانون الدولي، لا، بل هو «شيخ الحقوقيين». رجل مشاكس، يثير الغبار منذ وصوله إلى سوريا إثر سقوط النظام، خصوصاً حين حاول اعتلاء منبر المسجد الأموي وإلقاء خطاب، من دون تنسيق مسبق، فمُنع. عُرف بدوره معارضاً، وأنه سُجن وعزل من منصبة قاضياً. لكن المالح السياسي الذي عاركته الظروف، يتحدث عن لبنان بتشاوفٍ، ولا يرى فيه سوى قطعة من سوريا يجب أن ترجع إليه، كما كان الحال أيام العثمانيين، حيث لم يكن خارج الجغرافيا السورية غير متصرفية جبل لبنان. أما المليونا نازح سوري الذين استضافهم لبنان بعد الثورة، فهم في رأيه جاءوا إلى أرضهم، وأقاموا في بلادهم. الخلاصة، أن درس صدّام حسين، وطمعه في أرض الكويت، وما جلبه على العرب من كوارث لم يكن كافياً، كي نفهم خطورة الخلط بين التمنيات والوقائع.

كلام المالح، ليس بجديد، نسمعه من كثيرين، ونراه مجرد اندفاعة قومية، عروبية. لكن وللتاريخ، سوريا ولبنان كانا معاً قبل اتفاقية سان - ريمون عام 1920 جزءاً من بلاد الشام التي تضم فلسطين والأردن، وكلها تحت سلطة الدولة العثمانية. اتفاقية سايكس - بيكو السرية عام 1916 رسمت إطاراً عاماً لتوزيع النفوذ في شرق المتوسط، من دون رسم خرائط، وتحديد مساحات. لم تقّسم المنطقة فعلياً، إلا بعد ذلك بأربع سنوات. وما بينهما كان وعد بلفور الذي جلب لنا مصيبة الاحتلال الإسرائيلي الذي جثم على صدورنا. هكذا كانت الدول الاستعمارية تعد العرب، بدولة قومية في بلاد الشام، في الوقت نفسه الذي تجتمع فيه لتقسيم أراضيهم كقطع الحلوى، وتمنح الصهاينة الذين حضروا سان - ريمون حصتهم الوازنة منها.

بقي هذا التقسيم المهين شوكةً في حلق العرب. الإسلاميون يرون فيه مؤامرة كسرت وحدتهم الدينية. الأكراد يعدّونه كارثة محققة قضت على حلمهم بدولة تجلب الرخاء للمنطقة كلها، بدليل ما أنجزوه من نموذج في شمال العراق. تركيا، لم تتوقف عن السعي لاسترداد نفوذها الإمبراطوري.

وبقيت إسرائيل لأكثر من ثلاثة أرباع القرن، المستفيد الأكبر، وربما الوحيد من «سايكس- بيكو»، والتقسيم الذي فُرض عنوة على ملايين العرب. والغريب أنها هي اليوم الأكثر حماسة للتخلص من عبئه. تجدها تجنّد كل طاقاتها، للانقلاب عليه. في خطابه الشهير أمام الكونغرس، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن «يهودا» و«السامرة» الاسمين العبريين للضفة الغربية، جزء لا يتجزأ من «أرض إسرائيل». وأثناء محاكمته بتهم فساد مؤخراً، قال مبتهجاً بالنصر، إن «أمراً تكتونياً يحصل، وزلزالاً لا سابق له من مائة سنة، منذ معاهدة سايكس – بيكو».

محللون إسرائيليون، يقولون إن العرب لم يتقبلوا يوماً «سايكس - بيكو»، وهم باتوا أخيراً، يسيرون في الاتجاه نفسه. لهذا يشعرون بالراحة في التمدد يميناً وشمالاً. كل يوم تشعر إسرائيل أكثر بالرغبة في تحطيم المزيد من الحدود. خرائط «إسرائيل الكبرى» باتت تنشرها وزارة الخارجية الإسرائيلية بشكل رسمي، من دون خجل، غير عابئة باحتجاجات الدول العربية ولا جامعاتهم. هذه المرة، تشمل الخريطة إضافة إلى كل فلسطين، لبنان وسوريا والأردن.

«الشرق الأوسط الجديد» الذي يبشر به نتنياهو، هو انقلاب كامل على «سايكس - بيكو» بتواطؤ من صانعيه الإنجليز والفرنسيين معاً. هو إسقاط للخطوط الحمر والزرق. جزء منه إعلان انتهاء اتفاقية فض الاشتباك في الجولان، مؤخراً، وإسقاط اتفاقية عام 1974، التي أمَّنت الهدوء لعشرات السنين، من طرف واحد.

إسقاط «سايكس - بيكو»، عند إسرائيل، ليس ثرثرة في مقابلة على طريقة المالح، بل هي مليارات الدولارات من العدة العسكرية، للغزو والقتل والاحتلال. لم تكتفِ حكومة الاحتلال بميزانية عسكرية وصلت إلى 27 مليار دولار سنوياً. عيَّنت لجنة «ناغل» الخاصة لفحص الحاجات القتالية المقبلة، فأوصت برفع الميزانية 40 في المائة عما كانت عليه قبل الحرب، وركزت لمزيد من السوريالية، على الخطر السوري المحدق بإسرائيل. هل نضحك أم نبكي؟! كل هذه المليارات لقتال دول مجاورة، لا تملك سوى بدائي الأسلحة، ولا طاقة لها على رد طائرة واحدة، من مئات الطائرات التي تقصفهم بها إسرائيل، ولا دفاعاً جوياً لإسقاط صاروخ واحد.

كانت اتفاقية التقسيم عام 1920 هي واحدة من الاتفاقات العديدة التي غيَّرت العالم في تلك اللحظة التاريخية. فقد سقطت بالتزامن إمبراطوريات وممالك وقامت دول، وأعيد رسم خرائط. وقد نكون في أوانٍ مشابه، ونحن نسمع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، ينطق بما كنا نعتبره سوريالياً، يتحدث عن تغيير أسماء، وضمّ مساحات، وشراء أراضٍ.

لهذا؛ ملاحظة أخيرة للأستاذ هيثم المالح ورفاقه المشغولين بإعادة رسم «سايكس - بيكو» من لبنان: وسّعوا الرؤية، واعتبروا من الماضي. رغم عشقنا للوحدة العربية، فإنها المرة الأولى التي نشعر فيها بأن علينا التمسك بالاتفاقات الاستعمارية المخزية؛ لأن ما ستجلبه إسرائيل أكثر خزياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن نريد «سايكس ــ بيكو» نحن نريد «سايكس ــ بيكو»



GMT 21:16 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 08:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مجدي يعقوب والعطاء على مشارف التسعين

GMT 07:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 07:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

عند الصباح

GMT 07:57 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 07:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 07:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon