توقيت القاهرة المحلي 00:40:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دع الفقراء يموتوا

  مصر اليوم -

دع الفقراء يموتوا

بقلم: سوسن الأبطح

مشغول العالم، مشغول حد الدوار وفقدان التوازن، بنزاعات وتناتشات، منهمك بمتابعة أخبار المنافسة الانتخابية الأميركية بين ترمب وبايدن، بالتذابح على غاز شرق المتوسط، بمناكفات وسائل التواصل الفارغة، بالتخطط الدموي لحروب مقبلة. لا أحد يصغي لنداءات منظمة الصحة حول شراسة الموجة الثانية لـ«كورونا»، التي بدأت تقضم الأرواح، بشراهة أكبر من الأولى وأعظم. انكسرت هيبة الخوف من المرض والموت، أمام هول الانهيارات المالية، وخسائر البورصات المتوالية، وصوت المحتجين الغاضبين. الحجْر العالمي القاسي، لن يتكرر مع أن الوباء يربح المعركة. التوقعات أن يكون الشهران المقبلان قاتلين، في أوروبا، والهند والمنطقة العربية كذلك، التي بقيت شبه محمية، في جزء منها، وسعيدة بخططها الصحية.
عدد الموتى سيرتفع، ولن يبقى كما حاله في الصيف. الشتاء له خصوصياته، وخطورة مدارسه، وصعوبة تجمعاته في الأماكن المغلقة. من الآن 5 آلاف شخص يقضون يومياً. مسؤول في منظمة الصحة يرى أن «النجاة من (كورونا) ستصبح أصعب من ربح ورقة يانصيب»، و70 في المائة من سكان العالم سيصابون حتماً. لا لأن الوباء قدر لا مرد له، بل لأن فوضى المواجهة، وارتباك الحكومات واستخفافها وعجائبية ترتيب أولوياتها، فاقت كل توقع.
يبرهن البشر لمرة جديدة عن ضيق أفق في مواجهة المحن الكبرى، بسبب أنانيات غبية. الوباء لن يرحم الأقوياء، وإن ظنوا ذلك. ها هو مقيم لسنتين أخريين، ولا يتبخر في الصيف وتنكسر شوكته. لم يعثر أولو الأمر، بعد تجاريب مكلفة، إلا على حلّ أكثر بدائية مما سبقه، وهو حجز كبار السن في المنازل، وترك الأصغر سناً لقدرهم، وخفض فترة الحجْر إلى 7 أيام فقط، تفادياً للبطالة. استراتيجية لن تأتي أكلها. ثبت بالبرهان، أن الفصل بين الأجيال ليس رادعاً. والتفريق بين الطبقات، والتمييز بين الشعوب، هو عصب، ينتقل عبره الوباء ويتمكن. السيناريو المقبل، هو هروب من العطالة والإفلاس، يقود إلى مزيد من الانحدار الاقتصادي.
6 أشهر من الإجراءات، والعزل، في أوروبا، عاد الجميع بعدها إلى نقطة الصفر أو دونه. حتى التنقّل بين بلدان شينغن، لا يزال خاضعاً لإجراءات، ترفع هنا، وتعاد هناك، نتيجة عجز غير مسبوق. الهند التي يفترض أنها من بين الدول الأكثر نمواً، صارت تشكو من خواء صناديقها، وعجزها عن مجاراة دول عظمى في تعويض خسائر العاطلين عن العمل، وأخذ التضخم يقترب من مستوى 7 نقاط مئوية. البرازيل من بين الأسوأ كذلك، وأميركا غارقة والشعوب تتدحرج صوب العوز.
ويخشى أن يصبح المشهد، أكثر ظلمة في المنطقة العربية؛ حيث يتوقع أن ينحدر ربع سكانها إلى مستوى خط الفقر، بسبب ما تعيشه من أزمات وجودية أضيف إليها «كورونا». أصبح 55 مليون عربي بحاجة إلى مساعدة، نصفهم من اللاجئين، و16 مليوناً مهددون بالجوع. وما يرى بأم العين أن الجوع لا ينتظر الإحصاءات، وهو سابق لها.
اللقاحات التي يظن أنها حبل خلاص، باتت الحروب حولها مثيرة للسخرية. جميعها لا تزال قيد التجريب، لا يوجد أي منها يمكن لعاقل أن يستسلم له مؤتمناً على روحه. وكي لا تصبح مقولة «من لم يمت بـ(كورونا) مات بلقاحها» فإن أفضل ما سيحدث لفقراء هذا العالم، أنهم سيحرمون من تحويلهم إلى فئران تجارب، بعد أن حجزها من يملكون دفع سعرها. أكثر من 32 دولة اشترت حتى الآن اللقاح الروسي. حجزت الدول الغنية التي يسكنها 13 في المائة فقط من سكان الكوكب، نصف اللقاحات التي يتم العمل عليها، على اعتبار أن الفقراء لا يستحقون الحياة. ومع أن حماية الإنسان مسطورة في كل الشرائع، غير أن للأوبئة أحكامها. الدول المقتدرة، حجزت لقاحات من أكثر من مصدر، أي أنها تملك ترف التجريب، والتلف والاستبدال، حين تكتشف أن أحد اللقاحات التي حصلت عليها فاشل.
يقترب عدد ضحايا «كورونا» في العالم من المليون. بتقدم الوقت، نكتشف أكثر أنه لا يختلف عن أوبئة القرون الوسطى، لا في طبيعته القهارة، ولا في غباء الإنسان أمامه. وإن كانت كل النصائح التي دبجها المفكرون والمؤرخون والروائيون والفلاسفة، ومعها المنظمات الجديدة المعنية بالصحة والحقوق، ترى بأن مواجهة الفواجع الكبرى، لا يمكن تخفيض كلفتها من دون تعاضد، وتلاحم، وتكافل لا تمييز فيه، تبقى الردود قروسطية. السلوك لا يزال هو ذاته منذ ضرب الطاعون الأسود أوروبا في القرن الرابع عشر. وهو عينه، عندما ضرب الوباء العراق، وسرّع وهو يقضي على الأعمار، بانهيار الدولة الأموية ووصول العباسيين إلى السلطة. كتب التراث الإسلامي حافلة بقصص الأمراض المعدية، وتأثيراتها السياسية، وقدرتها المزلزلة على قلب الموازين، وتغيير القواعد الاجتماعية.
أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، رغم نبرته الدبلوماسية التي تفرض التفاؤل، يداري مخاوفه، من استمرار انعقاد اجتماعات الهيئات الأممية عن بُعد، ما يكسر تدريجياً القدرة على الحوار الحيوي، ويعزز طغيان الرأي الواحد. ألا تجتمع بالآخرين معناه أن تقيم مزيداً من التكتلات الجانبية، والأحلاف المتعادية والمتضادة. العالم ليس بخير، وهو لم يكن كذلك أصلاً. و«كورونا» هي تلك الجرعة الإضافية التي طاف بها الكأس. وأن تتعاظم النزاعات، فهذا يعني أن العالم سيبقى مشغولاً عن الذين يموتون بصمت في مراكز العناية الفائقة، ولو بلغوا عشرات الملايين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دع الفقراء يموتوا دع الفقراء يموتوا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة

GMT 00:43 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تشيلسي الإنجليزي يستقرّ على بديل أنطونيو كونتي

GMT 10:07 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

عفو رئاسي من السيسي عن متهمة في قضية شهيرة

GMT 12:49 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

النني ينعش خزينة الأهلي ب81 ألف جنيه استرليني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon