توقيت القاهرة المحلي 00:27:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العودة إلى «الصوت»

  مصر اليوم -

العودة إلى «الصوت»

بقلم : سوسن الأبطح

الشائع أننا في عصر الصورة، وعلى هذا بنى أصحاب مشاريع المرئي خططهم الطموحة، وحصدوا المليارات. وجاءت «نتفليكس» بنجاحها الكاسح وقبلها «يوتيوب»، لنتأكد أن ثمة في عالم الفرجة، ما هو أكثر فتنة من التلفزيون، حين تعطي المشاهِد حرية اختيار برنامجه أو فيلمه، في اللحظة التي يحب. ومع اقتراب الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة، نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية» تقريراً لافتاً حول الشعبية المتزايدة للـ«بودكاست» أو «المدونات الصوتية» التي زاد عددها في السنوات الخمس الماضية 17 ضعفاً، في حين ارتفعت نسبة الاستماع إليها ثلاثة أضعاف. وهذا من المفاجآت غير المتوقعة، خاصة أن التسجيلات الصوتية الرقمية، بدأت في الظهور على الشبكة، مع مطلع الألفية الثالثة، بفضل هواة مخلصين، من دون أن تلقى شعبية تذكر. لكن الأمزجة تتغير بأسرع مما هو منتظر، والإنسان الذي نهشته الصور وحاصرته الأشرطة، صار ربما يرتاح لصفاء الإصغاء. ففي فرنسا وحدها أحصي أكثر من مائة مليون استماع إلى البودكاستات في الشهر الواحد. وهو ما يفتح أعين المعنيين، على كنز دفين، بكر، يستحق الاستثمار فيه.
تحمّست منصة «سبوتيفاي» السويدية الشهيرة، التي تستحوذ على أكثر من ربع السوق السمعية، على البدء بمشاريع مستقبلية بمبالغ ضخمة بانتظار الحصاد. ولا يقلل من الاندفاعة، أن يكون نمو الإعلانات بطيئاً، فالغد واعد، والمؤشرات مشجعة.
ومع أن كثيرين لا يزالون يجهلون ما هو «البودكاست»، غير أن صحيفة «نيويورك تايمز» منذ عام 2017 تمكن برنامجها الشهير «ثي دايلي» من أن يحصد مليوني تنزيل لكل حلقة. وسجلت الصحافة المكتوبة اختراقاً حينها، بتقديمها برنامجاً مسموعاً، بنجاح لا تحلم به إذاعة عريقة. غير أن الأميركيين ليسوا الأكثر حماساً للمدونات المسموعة؛ فالنمو الأبرز للتسجيلات تجده باللغة الهندية، تليها الصينية فالبرتغالية والفرنسية، ولا تأتي الإنجليزية إلا في ذيل اللائحة. لا تقارير وبيانات عن الهوى العربي، سوى أن منطقة الخليج تتقدم. والسعوديون عنوا باكراً جداً بالبودكاست، وكما في غير بلد لم تزهر الظاهرة إلا في السنوات الأخيرة.
الإذاعات الفرنسية المعروفة، باتت والحالة هذه، تحوّل برامجها إلى بودكاست لإعادة سماعها، وتجعلها متاحة عند الرغبة، متماشية مع ما يبحث عنه إنسان اليوم، الذي تتنازعه المغريات، ويتنافس على حواسه المستثمرون. المتمسكون بتلفازهم التقليدي كثر، ومثلهم المواظبون على الاستماع إلى الراديو في تنقلاتهم في السيارة، ويبقى رواد النقل العام الذين يقضون ساعات بين القطارات والباصات أو سيراً على الأقدام هم من يجدون في البودكاست سلوتهم، ومصدر فائدتهم. بحسب التقديرات، هذا لن يدوم، بعد أن يختبر الناس، متعة اختيار برنامجهم المفضل، ومتحدثهم الأثير، بدلاً من أن يسلموا قيادهم لإذاعات تختار لهم المواعيد وتفرض عليهم البرامج.
وفي محاولة من «سبوتيفاي» لانتزاع مكانة «أوديبل» التابعة لـ«أمازون» في مجال الكتب الصوتية، لجأت لتسجيل مؤلفات إنجليزية كلاسيكية بأصوات نجوم. وقبلها قدمت المنصة «هاري بوتر» بصوت عدد من المشاهير، بينهم الممثل دانيال راد كليف، والمعركة لا تزال في بداياتها.
قد تظن أن التسجيلات الصوتية أسهل إنتاجاً من المصورة، لكن الأمر أعقد من ذلك، بسبب التطوير المستميت في تكنولوجيات الصوت، والعمل المضني من أجل التوصل إلى بودكاستات تجعلك لا تشعر بفارق بين الواقع والمسجل، مع الاستعانة بالمؤثرات، والمزج والتركيب.
ومن أشهر من انضموا إلى المدونات الصوتية الأمير هاري وزوجته ميغان، بمدونتهما «أرتشويل أوديو» التي أثارت اهتماماً، لكن المهم هو ما قاله دوق ودوقة ساسكس عن تجربتهما، وسبب قبولهما خوضها لأن المدونات الصوتية، «تذكّرنا جميعاً بأن نكرّس وقتاً للإصغاء الفعلي والتواصل من دون التهاء... فعندما يستمع واحدنا للآخر، ونعرف قصص بعضنا بعضاً، فإن ذلك يساعدنا على فهم مدى الترابط بيننا». الصفقة التي أبرماها تجارية قبل أي شيء آخر، إلا أن ما قالاه يبقى صحيحاً. فالأولوية الآن بالنسبة لإنسان تتجاذبه الإغراءات، هي لحظات تركيز صافٍ، بعيداً عن التشتت الذهني. لهذا يتحدث المهتمون بالبودكاست، عن جمهور يحتاج إلى مادة أكثر عمقاً؛ لأن كل مستمع قادر على الانصراف إلى ما يعنيه بشكل شخصي. ومع حيوية شركات الإنتاج، وإمكانية وضع البودكاست على أكثر من منصة رئيسية في وقت واحد، وبسبب المنافسة الشديدة بين المعروض، أصبح التفنن على أشده، والأبحاث جارية لتجويد الصوت بتقنية ثلاثية الأبعاد، تجعل المستمع يشعر وكأنه موجود فعلاً في المكان الذي يجري فيه الحدث. فبعد المليار دولار التي حصدتها البودكاستات السنة الفائتة، كل يفرك يديه طمعاً، ويفتح عينيه ولعاً بالآتي.
قيل طويلاً، إن الراديو هو إحدى الوسائل الفعالة لنشر الديمقراطية، وإيصال الرأي بسهولة وسرعة. وهذه السنة تركز «يونيسكو» في احتفاليتها بالإذاعات، على التنوع والتعددية، وأيضاً على التجدد والتشبيك. وثمة من يعتقد أن الإذاعات ستكون إلى زوال أمام البودكاست، خاصة بسبب الأموال السخية التي تصرف عليه، مقارنة بالشحّ القاتل الذي تعاني منه الإذاعات، وكله ممكن.
ما هو واضح أن التحولات أسرع من الأحلام المجنحة، والأرقام تكذّب التوقعات في أوقات كثيرة. الحدود سقطت بين المرئي والمسموع والمكتوب. الأوراق تختلط وتمتزج بانتظار إعادة فرز لأشكال جديدة، سيكون الصوت أحد المتربعين على عرشها. وبذلك خابت تكهنات كبار الكتّاب الذين توجسوا شراً من المرئيات وخداعها وقدرتها على خطف الوهج كله، بحيث سال حبرهم سخياً حول خطر الصورة، ولم يعن غير قلة من علماء اللغة، بفتنة الصوت وإمكاناته اللامتناهية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العودة إلى «الصوت» العودة إلى «الصوت»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة

GMT 00:43 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تشيلسي الإنجليزي يستقرّ على بديل أنطونيو كونتي

GMT 10:07 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

عفو رئاسي من السيسي عن متهمة في قضية شهيرة

GMT 12:49 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

النني ينعش خزينة الأهلي ب81 ألف جنيه استرليني

GMT 01:58 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

صورة الفنانة شادية قبل وفاتها تبكي محبيها

GMT 08:06 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هند صبري سعيدة بجائزة فاتن حمامة وتبرز معادلة نجاحها الصعبة

GMT 23:51 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

فوائد العناق بين الزوجين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon