توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حوار بالنار

  مصر اليوم -

حوار بالنار

بقلم:سوسن الأبطح

تحول مجلس الأمن، بسبب عجزه عن اتخاذ قرارات، إلى منتدى لإلقاء الخطابات وتبادل الاتهامات. هيئات الأمم المتحدة، أهينت حدّ الاغتيال في الحرب على غزة، ومسؤولوها يعاملون بوصفهم مارقين، ولك في «الأونروا» ومدارسها وموظفيها خير مثال. «مجلس حقوق الإنسان» بعد تقرير فرانشيسكا ألبانيز عن وحشية الجرائم الإسرائيلية في غزة، وضع في قفص الاتهام. «محكمة الجنايات الدولية» يطلق عليها النار بعد إصدارها مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، كما رُمي مدعيها العام كريم خان بالتحرش، ويخطط ترمب لفرض عقوبات عليه. قبل عام قابلت أميركا بالتهليل والترحيب مذكرة توقيف مشابهة أصدرتها المحكمة نفسها بحق الرئيس بوتين على خلفية حرب روسيا على أوكرانيا.

إنها حقاً لفوضى، وبناة النظام الدولي هم أنفسهم الذين يجهزون عليه، يفككونه قطعة بعد أخرى. بالنتيجة تتوالد صراعات من رحم بعضها، دون وجود أدوات دولية فاعلة، تسعف في حلّها أو تجتمع الأمم تحت سقفها.

غضب قيصر روسيا من أوكرانيا فابتلع القرم، ثم غضب أكثر فازدرد منطقة دونباس (دونيتسك ولوغانسك)، وربح أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع، ثم شنّ حربه. جاء الرد صاعقاً. أرادت أميركا أن تقطّع أذرع روسيا وأرجلها، وتتركها كسيحة. شنت حرباً مالية شاملة، حطّمت خطوط الغاز مع أوروبا، أمد «الناتو» أوكرانيا، بكل ما استطاع من أسلحة، حتى فرغت مخازنه. وفي غزة كان بمقدور إسرائيل أن تشن حرباً، كما الحروب، وتنقذ أسراها، وتؤدب «حماس» لعشرين سنة مقبلة، لكنها اختارت الإبادة، والقضاء على كل مظاهر الحياة، ولم يتورع كبار وزراء إسرائيل عن إعلان رغبتهم في التهجير والاستيطان. كل يذهب في القوة إلى أقصاها وبجشعه إلى منتهاه. ثمة موت للدبلوماسية الحكيمة التي أولى وظائفها، إنقاذ الناس، وتحاشي الخراب. شيء من هذا لا يبدو مهماً بالنسبة لقادة اليوم، تحركهم شهوة السيطرة السريعة، والانقلابات المباغتة، وتغيير الخرائط بالأسلحة؛ حيث يصبح الالتزام بالعهود ضرب سذاجة، والغدر جزءاً من اللعبة.

يوم أعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، توافقت عليه جميع الأطراف بمَن فيهم إسرائيل، لتجنب حرب كبيرة، نكث نتنياهو بوعده. وبدل أن يمهر الاتفاق بتوقيعه، أمر نتنياهو جنرالاته في 27 سبتمبر (أيلول) الفائت، باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وشن هجومه على لبنان، بعدها بثلاثة أيام، غير مكتفٍ باغتيال الصف الأول من قادة الحزب، وآلاف آخرين بتفجيرات «بيجر» و«ووكي توكي». وهو بعد حرب دمّر فيها ثلث لبنان على مدى شهرين، وقتل ما يزيد على 4 آلاف مدني، ومحا بلدات بأكملها، لا يزال يشعر بالعطش. اتفاق وقف إطلاق النار الجديد، لا يروق نتنياهو، ولا جنوده، الذين يتباكون على محطات التلفزة الإسرائيلية لأنه لم يدعهم «يكملون المهمة»، حسبما يقولون.

الجنون لا سقف يكبحه. في سوريا، تجربة استخدام التطرف سلاحاً يعاد توظيفها. المجموعات المسلحة التي أعيد تنشيطها في وجه سلطات دمشق، ليست خطراً على سوريا وحدها. لقد عاثت فساداً في مختلف دول المنطقة. ما يحدث في سوريا، ليس تحريراً من سلطات بل حمّام دم حين تصل حمى المعارك إلى مدن يقطنها الملايين. التبرؤ الغربي من إشعال الحروب، لا يقنع أحداً، بل هو نقص في المخيلة، وعجز عن اجتراح حلول، وتقاعس عن استخدام الفكر والحنكة، واستسهال استباحة كل شيء، بحجة أن الحرب هي هكذا، موت للمبادئ، وتغييب للضمير.

سياسة النار بلغت حدّ تهديد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، الشرق الأوسط كله بدفع «ثمن باهظ» إن لم يُطلق سراح الأسرى الإسرائيليين، قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني)، وتوعد بتوجيه «ضربات للمسؤولين أقوى من أي ضربة أخرى تعرض لها أي شخص في التاريخ الطويل والحافل للولايات المتحدة». علماً بأن كل الأسلحة على الإطلاق استخدمت، من التجويع، حتى القنابل التي تعمل على تبخير الأجساد، ولم يبقَ غير النووي.

عصي بلا جزر. انهيار مخيف في سلم القيم. قد لا تبقى الهستيريا محصورة في منطقتنا التي تهدر الدماء فيها، باستهتار استفزازي، بل تفتح الباب على مصراعيه لإسقاط الخطوط الحمراء أينما كانت، في غياب الحوارات الجادة، القائمة على الصبر والتنازلات والحلول الوسطى. القفز بسرعة صوب الحروب المدمرة لمجرد امتلاك القوة، هو وسيلة مجرمة، وقصيرة الرؤية. النار لا يمكن أن تُطفأ بالنار. نمر بمرحلة أشبه بسقوط جدار برلين. يومها، بفضل قادة عقلاء مثل غورباتشوف وميتران وتاتشر، وحتى جورج بوش الأب، الذي بتنا نترحم عليه، حصل التحول الهائل، انهارت حدود وأنظمة ورُسمت أخرى من دون حروب. تمكن هؤلاء بفضل وعيهم من فتح أفق جديد للبشرية. أمّا اليوم ومع سياسة المصارعة بالصواريخ وقصف الطائرات، والتهديد بالنووي، فتمتلئ السماء بالدخان الأسود وتتضرع الأرض وقد تخضبت بدماء الأبرياء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار بالنار حوار بالنار



GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... من سيكتب الدستور؟

GMT 10:02 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

اكتب أنت يا عندليب!

GMT 10:00 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أُهدى جائزتى.. إلى جريدتى

GMT 09:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الزمن الإسرائيلى

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon