توقيت القاهرة المحلي 02:14:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مدارس التجهيل

  مصر اليوم -

مدارس التجهيل

بقلم - سوسن الأبطح

كان هدف المنظمات الأممية والحكومات اليقظة، إلحاق أكبر عدد من الأطفال بالمدرسة، باتت المشكلة أن هؤلاء الأطفال يرتادون بالفعل صفوفهم كل يوم، لكنهم لا يتعلمون شيئاً. وتعترف «اليونيسف» أن عدد غير المتعلمين الملتحقين بالمدارس يزيد على عدد غير الملتحقين بها، وتلك حقاً كارثة غير مسبوقة. وضع مربك، لا يخصّ الدول الفقيرة والمتخلفة فقط - وإن كانت تحتل المراتب الأولى - لكنه يطول دولاً بلغت من التحضر مبلغاً. فالمستوى التعليمي يتدهور عالمياً، ولا يبدو أن الوصفات الإنقاذية جاهزة.
وبمناسبة انعقاد «قمة تحويل التعليم» في نيويورك هذه الأيام، أطلقت «اليونيسف» صرخة تحذيرية بأن مستوى التعليم في العالم يتراجع بشكل موجع وخطير؛ إذ تبين أن ثلث الأطفال في سن العاشرة قادرون على قراءة قصة بسيطة وفهمها فقط، مقارنة مع النصف قبل الجائحة، بسبب عجز المدارس عن القيام بأقل واجباتها، وهو تعليم القراءة والكتابة.
المجتمعون في نيويورك يقترحون فتح باب الحوار بين الهيئة التعليمية والأهل والأولاد، كما رواد الأعمال والممولين، ليتمكنوا معاً من وضع رؤى جديدة للتعليم، مختلفة عن السابقة التي تجاوزها الزمن. فنحن لا نزال في طور التفكّر، ونحتاج وقتاً. السنة الدراسية تفتتح بأزمات مركّبة. في لبنان يبدأ العام بإضراب مع عجز المعلمين والتلامذة، بسبب غلاء البنزين، عن الوصول إلى المؤسسات التعليمية. كذلك في تونس احتجاجات على سوء وضع الأوضاع المعيشية، وهذا حال دول كثيرة في المنطقة والعالم.
في فرنسا لم يقتنع المعلمون الذين هم في الأصل رواتبهم قليلة، بوعود الرئيس إيمانويل ماكرون التطمينية، ويرونها ضبابية. لكن المشكلة أعمق من راتب يُرفع. فالمهنة كلها على المحك، والبلاد التي كانت ترى في المدرسة الرسمية عنواناً للمواطنية، بات أهلها يفضلون المؤسسات التعليمية الخاصة، لأنها أقل سوءاً. الأزمات سابقة للوباء، وكل ما فعله أنه سرّع بها. فخلال 12 سنة، انخفض عدد المتقدمين للشهادة الأرفع، التي تؤهل صاحبها للتعليم، وكانت تعتبر فخر الشهادات الوطنية الفرنسية، من 40 ألفاً إلى 12 ألف مرشح فقط. وبالتالي انخفض المستوى، وأصبح ثمة وظائف شاغرة بالآلاف لا يوجد من يريد ملأها. كما أن اللجوء إلى التعاقد المؤقت يقضّ مضاجع الأساتذة في دول أوروبية كثيرة. وإذا كانت عين الفرنسيين على المدرّس الألماني الذي يعتبرونه أفضل حالاً، فهذا أيضاً دخل اقتصاده في كسادٍ غير مسبوق، ولم يعد في وضع يحسد عليه.
نقص المعلمين مشكلة كل أوروبا، في ولاية ألمانية واحدة ثمة 4400 وظيفة شاغرة في المدارس. وفي إيطاليا تمت الاستعاضة عن 150 ألف أستاذ ثابت بمتعاقدين مؤقتين، بينما تتحضر السويد لملء شغور 153 ألف أستاذ سيتقاعدون في السنوات المقبلة. وفي بريطانيا الأزمة ليست أقل حدة، إذ تبدأ الاستقالات بعد عام واحد من التوظيف، وبمرور 4 أعوام يكون نصفهم قد ترك عمله. لهذا تضطر المدارس إلى التوظيف المؤقت وإلى قبول معلمين يدرّسون في غير اختصاصهم، وهو ما ينعكس سلباً على الطالب.
«لم تعد مهنة الأستاذ أجمل مهنة في العالم»... هكذا قالت وزيرة التربية الفرنسية، متأسفة على ما آلت إليه الحال.
شهدت السنوات الخمس عشرة الأخيرة تغييراً عارماً في المناهج، في محاولة للتأقلم مع التحولات التي تعصف بالمجتمعات، لكنها للأسف في غالبيتها لم تأتِ بنتائج أفضل من سابقاتها، ما يعني أن المدرسة لم تتمكن بعد من التأقلم مع روح المستجدات، وتستجيب لمتطلبات المستقبل. وربما من الخطير قراءة نتائج استفتاء، يرى خلاله الفرنسيون «أن المدرسة حتى إن كانت تعلم، فإنها لا تعدّ الطالب بشكل كافٍ لحياة مهنية، كما أنها لا تنقل إليه قيم الأدب والاحترام»، وهذا موضوع شائك آخر.
بالعودة إلى قصور التعليم وتدهوره، تقلق الهيئات الأممية ومعها جمعيات ومؤسسات، لأن هذا يعني أن فقراً إضافياً، سيضرب المجتمعات، إن بقيت على ما هي عليه. فكل سنة دراسية ناجحة تضيف إلى مدخول الفرد 10 في المائة، ونقص التعليم هو حرمان للإنسان من رغد العيش وحسن التفكير والتدبر.
يبقى أن خبراء كثراً، على عكس ما تركز عليه الأمم المتحدة، وهيئاتها المختصة في التعليم، لا يرون المشكلة في نقص التمويل وقلة الموارد، وإنما في الإرباك الذي تعانيه المؤسسات التعليمية بشكلها التقليدي، أمام تدفقات المعارف السيّالة التي تأتي من كل صوب، ولا تعرف المصالحة بينهما، بحيث تعيش لحظة ضياع واهتزاز.
ولربما عثر الكاتب ألفن توفلير على الوصفة التعليمية السحرية حين قال: «أمّيّو المستقبل ليسوا الذين لا يحسنون القراءة والكتابة، وإنّما الذين لا يحسنون التخلّص مما تعلّموه، ليتعلّموا ما لا يعلمون...».
وفي الصينيّة مثل جميل مكمل للفكرة «كيف أملأ كوباً ملآن، إن لم أفرغه من محتواه». الامتلاء عقبة أحياناً، وهو ليس أقل خطراً من الفراغ. هذا يذكّر بجيمس برايدل وهو يقول: «ما زال أمامنا كثير لنتعلمه عن الجهل، فعدم اليقين ربما يكون مثمراً، بل مهيباً». ونحن نعيش في هذه اللحظة المهيبة التي، بالانطلاق منها، تصبح كل الاحتمالات ممكنة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدارس التجهيل مدارس التجهيل



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon