توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تصدع الحلم الأوروبي

  مصر اليوم -

تصدع الحلم الأوروبي

بقلم - سوسن الأبطح

لعبة عض الأصابع بين بوتين والغرب تتسارع مع بلوغ التضخم داخل منطقة اليورو ما يقارب العشرة في المائة، وارتفاع أسعار الطاقة أربعين في المائة. رصد الحكومات الأوروبية مئات ملايين اليوروات لتسديد فروقات فواتير كهرباء المواطنين ليس كافياً لفرملة الاحتجاجات، وكبح صيحات الغضب في ألمانيا، كما في فرنسا وإسبانيا وتشيكيا ورومانيا، واللائحة تطول.
الغلاء يطول الأكل والألبسة والمواصلات، وكل مستلزمات العيش، بينما زيادة الرواتب أمر دونه عقبات كثيرة. الحلول الأوروبية بطيئة، فقد ارتفع منسوب التشاؤم مع تأجيل الاجتماع الدوري لحكومتي فرنسا وألمانيا الذي كان مقرراً هذا الأسبوع، بحجة أن التحضيرات لم تكتمل بعد. وهي سابقة لم يحدث لها مثيل منذ عام 1963، أي منذ خمسين سنة، موعد بدء هذا النوع من اللقاءات بين الطرفين.
ثمة ما هو متوتر جداً بين البلدين المؤسسين للاتحاد الأوروبي. الاتفاق على موعد بديل يجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس اللذين تفتقد علاقتهما للكيمياء، لم يزد الفرنسيين إلا إحساساً بالتشاؤم من الأيام القادمة.
وفي استفتاء سريع لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، ربع المصوتين فقط أبدوا تفاؤلاً بعلاقة الثنائي الفرنسي - الألماني في قيادة الاتحاد الأوروبي إلى برّ الأمان.
الخلافات بين الاقتصادين الرئيسيين تزداد حدة، فالرؤية للحلول ليست واحدة، وألمانيا بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات منفردة، مثل الاتفاق مع دول أوروبية - ليس بينها فرنسا - على مشروع دفاعي، كما أنها تعوّل على اتفاقات وتكتلات مع دول صغيرة في الاتحاد، بدل النواة المركزية التي شكلتها طويلاً مع فرنسا.
وإن كان التباين الألماني الفرنسي قديماً، فإن بروز أزمة الطاقة، وإقفال صنابير الغاز الروسية، وتهاوي اليورو، أظهر كم أن شقة المصالح بين الجارين متباينة. لا يمكن الاستهانة بالضغوط الداخلية التي تتجاوز الغضب الشعبي إلى المماحكات السياسية للأحزاب اليمينية، التي وجدت فرصتها التاريخية للانقضاض على الوحدويين ومشروعاتهم الرومانسية.
نزعة المستشار الألماني أولاف شولتس للتمايز لم تخفف من وطأة خسارة حزبه في الاستطلاعات الأخيرة، مقابل صعود معتبر لحزب «البديل» المتطرف الذي وجد في النهج الإنساني لـ«ماما ميركل»، واستقبالها مئات آلاف المهاجرين، وما تبعه من أزمات، ووباء، وتراجع اقتصادي، خير فرصة لتسجيل النقاط، وطرح أفكاره الشعبوية.
وفي فرنسا كانت مارين لوبان قاب قوسين من الوصول إلى الرئاسة، وكل التوقعات تعزز احتمالية فوزها في المرة المقبلة، بينما جاء الخيار الإيطالي واضحاً لجورجيا ميلوني زعيمة حزب «إخوة إيطاليا» اليميني المتشدد، التي تريد من الاتحاد الأوروبي الانسحاب من الميثاق العالمي بخصوص الهجرة، وإعادة الهاربين إلى دولهم. وظاهر بعض دعوات هؤلاء قد يطرب له كثير من المحافظين، حين يسمعون عن ضرورة رفع نسبة الإنجاب، ومنع الإجهاض وزواج المثليين؛ لكنها دعوات لها ظاهرها والباطن، وهنا تكمن خطورتها. فالأخت جورجيا بحاجة لمساعدة الاتحاد، وهامش المناورة لديها محدود؛ لكن إذا ما وصلت شبيهتها مارين لوبان، ونجح حزب «البديل» في المرة المقبلة في ألمانيا، وبقي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لمرة جديدة، وفاز حزب «ديمقراطيي السويد» الذي سجل تقدماً كبيراً في الفترة الأخيرة، وهو تطور غير مسبوق، فنحن أمام تشكل لأوروبا جديدة، تأنف من التعددية، وترتعب من الاختلاف، وتفضل أن تعيش دولاً مستقلة كلياً، وترسم كل منها صلتها ببقية العالم بما يتناسب ومصالحها الضيقة.
أسوأ ما خبره الأوروبيون بعد حرب أوكرانيا هو حاجتهم لكل شيء، من الغاز والبترول إلى الطعام والتكنولوجيا، وحتى السلاح والدفاع عن أنفسهم الذي وكَّلوا به أميركا.
جوزيف بوريل، ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد، يعترف في مقالة له بأن المشكلة الرئيسية هي «أننا نحن الأوروبيين لا نرى العالم بالطريقة نفسها، لذلك ليس لنا ثقافة استراتيجية مشتركة. إنما لا بد من أن نستكشف أن كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تحتاج للأخرى، تماماً كما يحتاج الاتحاد إلى كل دولة عضو للاستجابة للتهديدات ذات الطبيعة المتغيرة».
لكن بوريل يفكر في شيء وتفعل ألمانيا ما هو مغاير. يبدو أن الدولة الأوروبية الأكبر لم تعد تستسيغ سياسة السلحفاة الفرنسية، ولا الشراكة المعرقلة. الخسائر كبيرة، والحاجة إلى استعادة الاقتصاد قوته بأسرع وقت أغلى ما تعمل من أجله. كتب فيليب كريفيل، المتخصص في قضايا الاقتصاد: «تدريجياً، تتم بلورة اتحاد أوروبي جديد حول ألمانيا، يحاول التوفيق بين مطالب دول شمال وشرق وجنوب أوروبا. يجب على فرنسا أن تتجنب عزل نفسها عن هذا المشروع. فقد قررت ألمانيا الحصول على غطاء مضاد للصواريخ بالاتفاق مع 14 دولة عضواً في الاتحاد، وتوقفت مشروعات بناء الدبابات والطائرات المقاتلة بشكل مشترك مع فرنسا»، وهو ما يدل على تدهور يصعب لجمه.
بين من يريد إنهاء الاتحاد، ومن يعمل على صيغة جديدة له فيها حصة الأسد، مثل ألمانيا، ومن يحاول ترقيع الماضي، أوروبا تتصدع وتتألم، وحلم الوحدة يتداعى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصدع الحلم الأوروبي تصدع الحلم الأوروبي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon