توقيت القاهرة المحلي 00:55:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بعد أرمسترونغ «الحرب الفضائية»

  مصر اليوم -

بعد أرمسترونغ «الحرب الفضائية»

بقلم: سوسن الأبطح

مع أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أكد بمناسبة مرور 50 سنة على هبوط أول إنسان على سطح القمر، أن «رواد الفضاء الأميركيين سيزورون القمر قريباً من جديد، وسينطلقون إلى كوكب المريخ، ليرفعوا هناك العلم الأميركي»، فإن ذلك لن يكون غداً لأسباب كثيرة. فمنذ أكثر من 47 عاماً لم يعد إنسان إلى القمر، وتوقف برنامج «أبوللو»، وانصرفت «ناسا» إلى مهمات أخرى، دون أن يعلق البشر أحلامهم بالوصول إلى كل كوكب يستطيعونه.
ودفعت أميركا يومها ما اعتبر رقماً خيالياً لتمويل «أبوللو»، وكان حينذاك 25 مليار دولار، وجزء كبير من توقف المشروع يرجع لعدم شعبية هذا الصرف السخي على الفضاء فيما الناس على الأرض يتألمون، ولهم الأولوية في الميزانية لتحسين شؤون حياتهم. لكن من المحزن أن أميركا صرفت بعد ذلك، أكثر من 6 تريليونات دولار في حربها على الإرهاب، ما كان كفيلاً بإيصال البشرية إلى أبعد من المريخ.
وتتغير الأولويات بحسب الظروف السياسية والتحديات الأمنية. ولولا سباق التسلح والتنافس على السيطرة على الأرض والبحر وصولاً إلى الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، لما رأينا نيل أرمسترونغ وزميله إدوين ألدرن يسيران على سطح القمر، ولربما لم تكن قدم الإنسان قد وطئت أرض ذاك الكوكب إلى اليوم. فقد ضحت أميركا بثلاثة من خيرة روادها على مركبة سابقة، ولقوا حتفهم قبل أن يؤدوا مهمتهم. وقيل إن الرئيس نيكسون كان قد أعد نعي الرواد الثلاثة في «أبوللو 11» لأن الخطر كان كبيراً، والعثرات قد حصلت بالفعل وتم تداركها، وفرح العالم ولم يقرأ النعي.
هذا للقول إنه لولا التحدي والتنافس وإطلاق الاتحاد السوفياتي لـ«سبوتنيك 1» ثم «سبوتنيك 2» وخوف أميركا من وصول السوفيات ورفع علمهم على القمر قبلهم لما اجتهدوا وجازفوا. ومتى أدرك الجميع أن السبق قد تحقق، فلم يعد أحد يرغب في الذهاب إلى هناك للملمة الصخور وعينات التربة، والعودة بها إلى الأرض، وتثبيت الأعلام التي يبدو أنها فقدت لونها مع الزمن.
ولا تختلف بواعث إرسال الناس إلى القمر - تمهيداً لاستعماره كما كان يؤمل - عن دوافع غزو الهند أو العراق أو فلسطين. فالأطماع دائماً متشابهة. فإن لم يكن من حياة وبشر لنشر الديمقراطية على القمر، فقد تحدث الرئيس كيندي يوم أطلق المشروع عام 1961 بما يشبه كثيراً ما سمعناه من جورج بوش جونيور قبل غزو العراق. فقد قال كيندي: «لن نترك الفضاء لتحكمه العدائية، بل الحرية والسلام. لقد تعهدنا بأننا لن نرى الفضاء مليئاً بأسلحة الدمار الشامل، بل بأدوات المعرفة والتفاهم». فبالنسبة لكيندي «فإن علوم الفضاء، مثلها مثل العلوم النووية والتكنولوجية، لا تمتلك قدرة اتخاذ القرار بحد ذاتها. ولهذا، فإن كونها قوة للخير أو للشر يعتمد على الإنسان».
لم يكن وصول أميركا إلى القمر خيراً بالمطلق، فقد استفادت من السبق بما يخدم استخباراتها وأبحاثها وخططها وتأكيد سطوتها، لكنها فتحت أيضاً بإنجازها أبواب الطموح لكثيرين، ولا تزال الأبحاث حول اكتشاف الفضاء شغفاً في دول كثيرة. فبلد فيه العوز من أكبر التحديات مثل الهند، على استعداد لدفع 150 مليون دولار على مهمة فضائية واحدة، تعثرت مؤخراً وتم إيقافها.
هبوط الإنسان على القمر بقي مسألة رمزية. والمشاهد المؤثرة للرواد يتطايرون بملابسهم البيضاء التي رآها 50 مليون إنسان، هي الإنجاز الأكبر. كانت الصورة أعظم من أن تصدّق، لدرجة أن التشكيك لا يزال حاراً، يزيد من حدته أن أميركا تتحدث عن ضياع الأشرطة التي سجلت للحدث الأعظم في تاريخها. وثمة من يقول إن هذا تحبه أميركا لأنه يعزز الحكايات ويشحذ الأخيلة.
تلك فترة، كان مشهد العالم فيها مختلفاً. دول كثيرة حلمت وعملت وسعت. ومن السريالي أن نتذكر اليوم لبنان الذي كان له عام 1960 مشروعه الصاروخي الواعد وقد أطلق بالفعل صواريخ «أرز» التجريبية واحتُفي بها، ولا يزال استذكارها مؤلماً، وصوَّر حول هذا الموضوع فيلماً جميلاً. لكن المشروع الذي كان رائداً، والأول من نوعه في المنطقة كلها، لم يدعم بالمليارات ولم يجد مساندة من الدولة، وانتهى بأصحابه إلى الهجرة أو الذبول. وكانت إسرائيل في العام نفسه قد أنشأت «اللجنة القومية لأبحاث الفضاء». استمر المشروع الإسرائيلي ونما، وانتهت الصواريخ اللبنانية إلى العدم مع الانكسار العربي عام 1967.
استعادة ذكرى خطوات أرمسترونغ اليوم، لا تخص الأميركيين وحدهم، ثمة أحلام كانت تتبرعم، في أنحاء الأرض والحروب على أشدها، منها ما انتصر ومنها ما خبا، لكنها ليست نهاية المحاولات، ولا آخر الطموحات.
بعد خمسين سنة، ليست العودة إلى القمر أولوية ولا الاكتشافات بحد ذاتها ما يخصص له المليارات. انشغلت الحكومات بإرسال أقمارها الصناعية إلى الفضاء، إما لتتجسس بعضها على بعض أو لتؤمن دعماً عسكرياً، أو تغذية برامج اتصالات. وأميركا نفسها تعد لـ«قوة فضائية» ستصبح الذراع السادسة في الجيش الأميركي، وتضمن لها الهيمنة، وهي تعمل إلى جانب القوة الجوية بالتوازي والتساوي.
وفي كل الأحوال المسافة شاسعة ومحزنة، بين رغبات العلماء البريئة وتحول حياة أرمسترونغ إثر رحلته واكتشافه كم أن كوكب الأرض هش من علٍ، ويحتاج إلى حنو وحكمة من ساكنيه، وبين الجفوة الانتهازية السياسية التي تريد الفضاء تفاحة شهية لتقضمه وتجهز عليه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد أرمسترونغ «الحرب الفضائية» بعد أرمسترونغ «الحرب الفضائية»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة

GMT 00:43 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تشيلسي الإنجليزي يستقرّ على بديل أنطونيو كونتي

GMT 10:07 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

عفو رئاسي من السيسي عن متهمة في قضية شهيرة

GMT 12:49 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

النني ينعش خزينة الأهلي ب81 ألف جنيه استرليني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon