توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحياة بالأرقام

  مصر اليوم -

الحياة بالأرقام

بقلم - سوسن الأبطح

أنبأتنا الأمم المتحدة، تبعاً لتقديراتها العلمية، أن عددَ سكان الهند سيتجاوز عدد سكان الصين، منتصف العام الحالي، ويبقى متجهاً صعوداً حتى منتصف القرن الحادي والعشرين. هذا لا يعني أن النساء الهنديات منجبات. فنسب الولادة هناك انخفضت بشكل كبير، لكن نصف المجتمع الهندي شاب وتحت سن الـ25 سنة، ما يعني أن المجتمع ماضٍ في النمو ديموغرافياً مهما كانت السياسات. هكذا خسرت الصين موقعها كأكبر بلد من حيث عدد السكان، بسبب التشدد في تطبيق سياسة الطفل الواحد، التي أوقفتها، لكنها لم تتمكن من إقناع مواطنيها بأن الإنجاب بات ضرورة وطنية، وأن الاقتصاد بحاجة إلى سواعد، وشبّان وفتوة الجيل الجديد.
باستثناء الهند والفلبين، وهذه الأخيرة بسبب القيم الكاثوليكية، وكذلك باكستان نظراً لوزن رجال الدين، تنحو دول شرق آسيا إلى انكماش في عدد سكانها، بسبب انخراط النساء في العمل، وارتفاع كلفة الحياة، لكن هذا يغير مصير دول لها دور محوري في التركيبة الجيوسياسية الجديدة. فأكثر القرارات الشخصية حميمية داخل الأسرة، تكتب يومياً مصائر الشعوب وما ستؤول إليه أحوالها مستقبلاً.
الصين لا تريد أن تشيخ بهذه السرعة، وتحفزّ مواطنيها وتغريهم بالإنجاب، لأن المصانع بحاجة لمن يديرها، وناطحات السحاب لا قيمة لها إن لم تجد من يشغلها.
فقد تقلص عدد العمال، والنظام التقاعدي مهدد بالاختلال، وانخفض عدد السكان في عام واحد أكثر من 850 ألف نسمة.
كوريا الجنوبية ليست أفضل حالاً، إذ ستفقد حتى منتصف القرن الحالي ثلث سكانها في عمر الإنتاج. وتايوان والصين ستشهدان انخفاضاً يصل إلى ربع السكان في سن العمل.
بالطبع أوروبا في وضع سيئ، لولا المهاجرون. إذ تعتبر إيطاليا الدولة الأكثر شيخوخة في العالم، وشبانها يهاجرون للعمل خارج حدودها، بسبب سوء الوضع الاقتصادي. وإن تمكنت ألمانيا من حلّ مشكلتها الديموغرافية باستقبال أكثر من مليون مهاجر دفعة واحدة، ولا تزال أبوابها مفتوحة، أو مواربة. كما ينخفض عدد سكان أميركا بشكل مستمر، لولا أنها تسد النقص بالهجرة التي لا تنقطع.
أما دول شرق آسيا فلا تزال تكابر، ولا تريد أن تشرّع سوق العمل لوافدين من دول أخرى. ويقول سكان قرية يابانية، لم يعد فيها غير بعض العجائز، إنهم يفضلون الانقراض على استقبال أجانب يقلقون سلامهم وراحتهم، ويدخلون تعديلات على هويتهم. لكن لا يبدو أن هذا العناد لن يبقى ممكناً على المدى القصير والمتوسط، خاصة أن اليابان أصبحت الدولة الأسرع شيخوخة على الإطلاق. ربع النساء في عمر الزواج عازبات، وكثيرات منهن لا يرغبن في الزواج، والمتزوجون يفضلون التقنين في الإنجاب.
ولا تجد الحكومة أمام هذا الوضع الكئيب سوى المرونة في استقبال بعض العاملين، لمهام محددة حتى الآن، لكن اليابانيين سيضطرون إلى تليين مواقفهم الصلبة بسرعة، لإنقاذ الوضع الذي بدأ يزن ثقيلاً. وكل يحاول أن يجد الحلول بطريقته الخاصة. فكثير من الشركات الكورية الجنوبية واليابانية والتايوانية نقلت مصانعها إلى دول أوفر سكاناً، بحثاً عن اليد العاملة.
فثلث المصانع في البلدان الآسيوية، التي شحت فيها اليد العاملة، انتقلت إلى فيتنام والهند والفلبين التي حافظت على توازن معقول في عدد السكان.
النمو الديموغرافي الكبير في السنوات المقبلة سيكون مدفوعاً إلى حد كبير من قبل عدد من البلدان الأفريقية، مثل نيجيريا التي تعاني من انفجار إنجابي، حيث تلد كل امرأة معدل 7 أولاد، وجمهورية الكونغو ومصر وتنزانيا، التي قفز عدد سكانها بنحو 40 في المائة في 10 سنوات.
عمل التوازن بين الديموغرافيا والاقتصاد صعب للغاية. سعت الصين والهند إلى تقليص عدد السكان منذ منتصف القرن الماضي بسبب الفقر والجوع. نجحت الأولى في كبح النمو السكاني، وأصبحت تخشى من تراجع الاقتصاد، بينما أخفقت الهند وربما لحسن حظها، لكنها لم تحقق المعجزة الاقتصادية المرجوة، وهي اليوم أمام تحدٍ كبير، يتعذر تجاوزه رغم النمو الاقتصادي الذي وصل إلى 6 في المائة.
منذ أصبحت الأرقام بهذا الوضوح، والرسوم البيانية تظهر كما عين الشمس، إلى أين تسير المجتمعات، وضبط الميزان صعب ومربك.
آخر الأرقام التي صدمت وأثارت التساؤلات انخفاض متوسط الأعمار في أميركا 3 سنوات خلال عامين فقط، حيث تراجع أهم اقتصاد في العالم، وعجز عن تأمين عمر أطول لمواطنيه ليس بسبب الفاقة والمجاعة كما حال أفريقيا، وإنما بسبب التخمة والسمنة، والغذاء المصنّع ولوبيات الأطعمة السامة، وإكثار الشباب من الأدوية المسكنة مثل الفانتانيل وترانك، وتبين أنها أسوأ 50 مرة من الهيرويين في التخدير والإدمان.
من لم يمت بـ«الفقر» مات بغيره، لكن يبدو أن الظلم لا يزال يقتل. أكثر من 8 مليارات يعيشون على وجه البسيطة، ما يزيد على 5 مليارات منهم، أي أغلبيتهم، لا يزالون غير مكتفين. وتلك هي الكارثة التي تهدد العالم.
كبح الجشع والسعي للعدالة أهم من التفاني في خفض الإنجاب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحياة بالأرقام الحياة بالأرقام



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon