توقيت القاهرة المحلي 00:40:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أستراليا... هل تفعلها؟

  مصر اليوم -

أستراليا هل تفعلها

بقلم - سوسن الأبطح

لإسرائيل في أستراليا أصدقاء كثر وعاطفة جمّة، لكن الاعتبارات التي تمنع ترجمة هذا الودّ تزداد لحسن الحظ، بدل أن تتضاءل، خاصة مع ازدياد الوزن الاقتصادي للجارة المسلمة التي كانت من بين الأشرس في الاحتجاج على نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس. فبينما كانت بعض الدول العربية تحتج صامتة في ذلك اليوم المشؤوم، خرج مئات آلاف الإندونيسيين للتعبير عن غضبهم أمام السفارة الأميركية في جاكرتا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد قرار الرئيس دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى هناك.

يومها كثير من الساسة الأستراليين كانوا يتمنون الاحتذاء بغواتيمالا الدولة الوحيدة التي تجرأت ولحقت بالقرار، لكنهم لم يفعلوا تحسباً. ولعل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو تسرع أكثر مما يجب، منذ أيام، حين لم يتمكن من كبح غبطته والتعبير عن فرحه لإعلان ما أخبره به صديقه رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون من أنه يفكر باتخاذ القرار الحاسم بنقل سفارة بلاده هو الآخر، ليأتي الغضب جامعاً من دول عربية وإسلامية وتقف إندونيسيا موقفاً ساخطاً، هددت فيه بنسف عقد كامل من المفاوضات بين البلدين الجارين، بعد أن أصبحا على أعتاب اتفاقية تجارية شاملة تبدأ بشراء السيارات ولا تنتهي بالمواشي، لأنها تشمل التعليم والصحة والتعرفة الجمركية. وهو مكسب للطرفين خاصة أن الاقتصاد الإندونيسي يبشر بقفزات في السنوات القليلة المقبلة. وليس أقرب جغرافياً إلى أستراليا من هذا البلد الضخم ديموغرافياً.

والطريف في أمر موريسون أنه أراد الإقبال على مغامرة كبيرة، تخالف قرارات الأمم المتحدة، ليربح معركة سياسية شخصية ضيقة. فعلى مبعدة أيام من انتخابات نيابية جزئية يخوضها في دائرة في سيدني، يلعب فيها الصوت اليهودي دوراً محورياً، رأي أن أفضل وسيلة لكسب ود الناخبين هو القيام بهذه الخطة التي لم يجرؤ عليها رؤساء قبله، مع إنهم لم يكونوا أقل منه وداً لإسرائيل وإعجاباً بها، لكن خانتهم الشجاعة وفرملتهم الحسابات الخاسرة. فلا رئيس الوزراء الأسبق توني أبوت قام بالخطوة رغم رغبته العارمة، ولا مالكولم تيرنبول الذي أطيح به منذ أيام ارتأى أن الأمر مما يمكن الإقبال عليه.

بعد هبّة الاعتراض الساخنة التي واجهت موريسون، أخذ الرجل في تهدئة خواطر الغاضبين والمحتجين بقوله إنه لن يتخذ قراره دون مشاورات وغربلة للآراء، في محاولة للوقوف في المنطقة الوسط. وهو في أي حال، بمجرد إعلانه عن رغبته الكريمة لا بد أثار استعطافاً وكسب أصواتاً، ستظهر الصناديق إن كانت كافية أم لا؟
ويبقى السؤال هو نفسه في كل مرة حول الجاليات المسلمة التي ليس لها من وزن انتخابي أو تأثير سياسي يذكر، سواء في أوروبا أو أميركا أو حتى أستراليا، بسبب الفرقة وتشتت الرأي، فيما تعمل اللوبيات الإسرائيلية على توحيد المواقف، ودعم المصالح. ففي أستراليا بلد الـ25 مليون إنسان، لا يزيد عدد اليهود على 124 ألفا فيما يبلغ عدد المسلمين ضعفهم على الأقل. فإضافة إلى اللبنانيين، هناك الأتراك والأفغان والبوسنيون، وهم يتكاثرون باضطراد قياسي يشغل بال المسؤولين المحليين. وبقيت إندونيسيا أكبر بلد مسلم في العالم الذي يبلغ تعداده ما يوازي العرب أجمعين، ينظر إليها من الحكومات الأسترالية المتعاقبة على أنها بلد فقير يستورد المواشي ويذبحها بوحشية، حتى وصل الأمر إلى حد التهديد بعدم التوريد، إن لم تحسن التعامل مع الحيوانات.

العلاقات بين البلدين لم تكن يوماً بين ندّين، بل حكمها الاستقواء، وغلب عليها البرود والتوتر. وكانت آخر حلقات الحدّة مع وصول اللاجئين الهاربين من حروب الربيع العربي إلى إندونيسيا ومحاولاتهم المستميتة للوصول إلى جنة الشواطئ الأسترالية وما رافق ذلك من معاملة قاسية وأحياناً غير إنسانية من السلطات هناك. فتارة يحجزون في أماكن بعيدة غير مأهولة، وتارة أخرى يقول الإندونيسيون إنهم يدفعون الأموال لأصحاب الزوارق ليعودوا أدراجهم بمن حملوا. وفي كل الأحوال كان ثمة دائماً ما يعكر صفو العلاقات بين جزرٍ تناضل وأرض ترتع في رخاء.

الأمر يتغير بسرعة، وقد نرى نتائج مختلفة خلال سنوات قليلة مقبلة مع تحول هذه الكتلة البشرية المسلمة الضخمة إلى قوة اقتصادية ستكون سنداً رئيسياً لأستراليا إن أحسنت التبادلات معها. ولا بد أن موريسون يعرف ذلك جيداً ومعه وزيرة خارجيته ماريس بايني التي ليست أقل منه حماسة لإسرائيل، ووزير دفاعه كريستوفر بيني.
وربما أن آخر ما يتوجب أن ينتظره المرء من ساسة هذا العالم، وهم يخوضون انتخاباتهم ويسعون لإغراء ناخبيهم، هو موقف أخلاقي تجاه الضعفاء والمضطهدين. فما جعل رئيس الوزراء الأسترالي يفكر في اتخاذ قرار كبير ومجحف بحق القدس وأهلها وشعب يعذب ويضطهد منذ سبعين سنة، وأطفال يواجهون النار بصدورهم العارية وسواعدهم الصغيرة، هو مجرد كرسي وبضعة أوراق في صندوق اقتراع. وما حمله على التريث والحديث عن مهلة للتفكير والتشاور هي الخسائر الاقتصادية المحتملة والتبادلات التجارية المتوقع فقدانها. وكل ما عدا ذلك مما نسمعه عن حقوق الإنسان والرفق بالحيوان، فهو من باب للاستهلاك الخطابي والتزيين اللفظي والبريق الإعلامي.

نقلا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أستراليا هل تفعلها أستراليا هل تفعلها



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة

GMT 00:43 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تشيلسي الإنجليزي يستقرّ على بديل أنطونيو كونتي

GMT 10:07 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

عفو رئاسي من السيسي عن متهمة في قضية شهيرة

GMT 12:49 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

النني ينعش خزينة الأهلي ب81 ألف جنيه استرليني

GMT 01:58 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

صورة الفنانة شادية قبل وفاتها تبكي محبيها

GMT 08:06 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هند صبري سعيدة بجائزة فاتن حمامة وتبرز معادلة نجاحها الصعبة

GMT 23:51 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

فوائد العناق بين الزوجين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon