توقيت القاهرة المحلي 21:57:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجنوح يميناً

  مصر اليوم -

الجنوح يميناً

بقلم - سوسن الأبطح

لا يمر يوم من دون حوادث بين متطرفين ومهاجرين مسلمين في أوروبا، ولا يمر يوم إلا وتتدفق قوارب الهاربين من البؤس إلى شواطئ تلك القارة التي بدأت الديون تنهكها، والأزمات ترهقها. فلا التهديدات بطرد العرب تنفع، ولا صعود نجم المتشددين يلجم. صغار المهاجرين ليسوا ممن يصغي لنشرات الأخبار، فيما كبار السياسيين لهم مشاغل داخلية في بلادهم، تمنعهم من قراءة فسيفساء المشهد الدولي المعقد بحكمة.
الهرج الذي رافق فوز الائتلاف اليميني الإيطالي بزعامة حزب «إخوة إيطاليا» المتطرف، واقتراب زعيمته جورجيا ميلوني من ترؤس الحكومة، ليس سببه أنها ستتمكن من تنفيذ كل تمنياتها بضربة واحدة، وهذا صعب، بل مستحيل. المخاوف متأتية من أن إيطاليا، كانت ترسم، تاريخياً، مؤشر المزاج الأوروبي وتوجهاته المستقبلية.
قبل ميلوني الإيطالية، كان الرئيس دونالد ترمب قد أثار لعاب الحمائيين، والخائفين من العولمة والانفتاح، وأطلق من قلب عاصمة التجارة الحرة والشركات العابرة للقارات، شعاره المفضل «أميركا أولاً»، وسعى جهده لوقف الهجرة، وبناء جداره الأثير مع المكسيك، وإعادة الصناعات الأميركية إلى عرينها. سياسات جو بايدن الاقتصادية، بعد ذلك، مع زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، لم تهدئ من روع العنصريين الأميركيين، بل على العكس زادت حماسة البيض للدفاع عن طروحاتهم، وتنشيط حركتهم، والاستعداد للوثوب على الرئاسة في الدورة المقبلة.
فوز ميلوني في إيطاليا، العضو المُؤسّس للاتّحاد الأُوروبي وثالث أكبر اقتصاد في «منطقة اليورو»، أحدث زلزالاً في النفوس، خاصة أنه يأتي بعد انتصار اليمين المُتطرّف في الانتخابات السويدية أيضاً.
فقد أصبح حزب «الديمقراطيين السويديين» أكبر أحزاب اليمين وثاني أكبر حزب في البلاد، تماماً كما هو حال «الجبهة الوطنية الفرنسية»، وزعيمتها مارين لوبن، التي ورثت والدها، وكان مقصياً يستحق من بقية السياسيين الهزء والسخرية. شهدت الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة منافسة شرسة بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن المعارضة لسطوة الاتحاد الأوروبي والمطالبة بوقف الهجرة. ورغم فوز ماكرون بنسبة 58 في المائة من الأصوات، فقد فازت لوبن بـ41 في المائة، بارتفاع قياسي عما كانت تحلم به في انتخابات سابقة.
بالعودة إلى السويد معقل التسامح وحقوق الإنسان، حصل «الحزب الديمقراطي السويدي اليميني»، الذي يتغنى بعض قادته بأفكارهم النازية، على ما يقارب ربع المقاعد البرلمانية، ما يؤهلهم لتكون لهم الكلمة الفصل في القرارات المقبلة. ولا يستبعد أن ينالوا في انتخابات آتية نتائج تضعهم مباشرة في موقع القيادة.
فإذا كانت فرنسا وألمانيا وهولندا قد نجت لغاية الآن، من قبضة التشدد، فإن رئيس الوزراء المجري المحافظ فيكتور أوروبان يعطي نموذجاً واضحاً عما يمكن أن تكون عليه الحكومات الأوروبية المقبلة، فهو في معارضة مستمرة، ومواجهات لا تتوقف مع البرلمان الأوروبي.
الأحزاب اليمينية الشعبوية ليست معجبة بسطوة بروكسل ولا بقراراتها التي ترى فيها «ديكتاتوية» تنتقص من السيادة الوطنية، ومع ذلك سيجدون أنفسهم، حين يصلون للسلطة، مضطرين لمسايرة قرارات الاتحاد والبقاء تحت مظلته، على الأقل في الوقت الراهن من أوروبان، وصولاً إلى الفاشية الصغيرة تلميذة برلسكوني، جورجيا ميلوني، فثمة مصالح وتمويلات ومساعدات وديون، وتشابك مصالح.
المهاجرون ليسوا وحدهم من يثيرون شعور الشعوب الأوروبية بأن التغيرات لم تعد لصالحهم. باتت الأسباب متداخلة. حرب أوكرانيا وما تبعها من تضخم وشحّ في الطاقة، وارتفاع كلفة الحياة، وإحساس المواطنين بضيق الحال... كل هذا لن يشجع أكثر على التطرف والعنصرية بالضرورة، فليس هذا ما يطلبه الجمهور عادة، وإنما الحياة الكريمة التي أخفقت في تأمينها الأحزاب التقليدية المعتدلة، من يمين ويسار ووسط حين لا يوجد بديل غير المتطرفين من يسار ويمين.
رغم صرخات الخوف، وصيحات الإنذار، بسبب فوز الزعيمة الإيطالية ميلوني التي أبدت ذات يوم إعجابها بموسوليني، فإن ثمة من يقلل من خطورة الوضع، لأن النظام السياسي الإيطالي لديه ما يكفي من العوائق ليكبح ميلوني من تنفيذ أحلامها وتحقيق أمنياتها.
لا شيء يشي لغاية اللحظة، بأن الأزمات الحياتية التي تمر بها أوروبا ستجد وصفات لحلها غداً، والعودة إلى العقل، بل على العكس، سيذهب العالم إلى مزيد من الصدامات والنزاعات، وتآكل الموارد، كما تصاعد عدد المهاجرين من جنوب المتوسط وشرقه إلى ضفته الشمالية، أضف إليهم اليوم الأوكرانيين الذين استقبلوا بالترحاب، لكن الأرض بدأت تضيق بمن عليها.
المؤسف أن العنصرية والتطرف يتمددان شرقاً أيضاً. فالهند بفسيفسائها الثمين، درّة الديمقراطية والتعددية، تجنح هي الأخرى، يميناً وبقسوة مع ناريندرا مودي، وأفكاره القومية الهندوسية، في مجتمع يشكل فيه المسلمون كتلة وازنة، ما يهدد بتشظي مجتمع هشّ، أشد ما يحتاج للتكافل والألفة.
التطرف مع صعود اليمينيين الانطوائيين والشعبويين، خطورته ليست في الأحزاب المتشددة وحدها وأفكارها العنصرية، بل باستجرار أشد المعتدلين إلى خطاب عدائي تقسيمي، خلال سباقات استمالة الناخبين.
ثمة من يخشى أن يكون المهاجرون المسلمون، هم من سيدفعون ثمن النازية الجديدة، التي تتمدد بسرعة هائلة، مع نمو حجم الأزمات الاجتماعية، بعد أن كان اليهود هم كبش المحرقة في ظرف مماثل قبل 100 سنة.
يغيب عن ذهن المحللين الغربيين أن التطرف أخطر ما يكون على أصحابه، لأنه قادر على تدمير القيم ونسف الدساتير، وتقسيم الناس تبعاً لأديانهم، ومذاهبهم وأعراقهم وألوانهم، وحركة حدقات عيونهم. فليس أخطر على المجتمعات من الدخول في مرض التشظي، ووضع المواطنين في خانات، ورميهم بالاتهامات.
أوروبا لا تزال في مأمن، وتصحيح المسار ليس بمستبعد، لكن خطر التشظي، على المدى المتوسط، وارد جداً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجنوح يميناً الجنوح يميناً



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 06:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 19:30 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة نجلاء بدر تعلن وفاة عمها عبر "فيسبوك"

GMT 18:12 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

إغلاق مقاهي روما تحسبًا لشغب جماهير ليفربول

GMT 06:50 2022 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

تألق البرازيلي برونو سافيو في 9 مباريات مع الأهلي

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أرز بالبصل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon