توقيت القاهرة المحلي 20:25:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نريد أن نعرف عن درويش!

  مصر اليوم -

نريد أن نعرف عن درويش

بقلم - سوسن الأبطح

شهادة الكاتب والقيادي في حركة «فتح» نبيل عمرو التي حملت عنوان «لقاء وافتراق قمتَي الثقافة والسياسة»، ونشرت في «الشرق الأوسط» قبل أيام، عن علاقة ياسر عرفات بمحمود درويش، بمناسبة مرور 15 سنة على وفاة الأخير، تفتح الشهية لمعرفة المزيد، عن هذا الجانب الخفي من حياة أحد أنبغ شعراء العرب في العصر الحديث. حياة الأديب تدرس بكليّتها وشموليتها، وقصائده تعاد قراءتها على ضوء المعلومات المستجدّة التي غالباً ما يلقى عليها الضوء بعد مرور سنوات على الغياب. تستّر درويش على حياته السياسية وكأنها عورة تضرّ بالشعر وجماليته، وتجرح قرّاءه، من المفترض أن تسقط بمرور الزمن، ومن حقّ القارئ على زملاء الشاعر ورفاقه في منظمة التحرير، وعايشوا تفاصيل تلك التجربة التاريخية المفصلية في الحياة العربية، أن يبوحوا بما لديهم.

بعض السُتر أشيحت، لكن ما نعرفه لا يفي بتوضيح الصورة. الوقت يمرّ سريعاً، والذاكرة يأكلها النسيان. ترك المساحات البيضاء يملأها محبو التصيد والتسلي بحياة محمود درويش العاطفية وعلاقته بالنساء وادعاء أبوته لأطفال والقرب المزيف منه، تسيء للشاعر، وصمت أصدقائه الخلّص، يُبقي علاقة القراء به منقوصة، وصورته مجتزأة في الوجدان. حذّر الباحث شكري ماضي قبل سنوات طويلة من مغبّة تحويل محمود درويش إلى أسطورة واختزاله وتحنيطه، بحيث يمنع المسّ به، كان ذلك في كتابه «شعر محمود درويش... آيديولوجيا السياسة وآيديولوجيا الشعر».

فكل أديب أو نجم، يحلو له أن يرسم لنفسه هالة خلال حياته، يتمنى لها ألا تخترق، لكن وظيفة النقاد أن يمزقوا الحجب، وواجب النائمين على الأسرار أن يقربونا من الحقيقة، ويدلوا بما لديهم، حتى وإن كان درويش قد رأى في حياته عكس ذلك، بخاصة في مرحلة ما بعد ثمانينات القرن الماضي وخروجه من بيروت، ودخوله مرحلة الكتابة الرمزية، والبعد عن المباشرة.

درويش يملك من العبقرية الشعرية الفذة، ما كان يسمح له أن يكتب عن أوسلو وعرفات وشارون بغنائية شعرية لا تصدّق، لكنه لم يرَ مصلحة فنية في ذلك، وربما أنه كما يقول عنه صقر أبو فخر «هو شجاع لكن يرتجف». فقد كتب شعراً قصص طفولته الأكثر حميمية. كتب عن حادث الباص الذي تعرض له، عن أخته التي ماتت، عن نجاته مراراً من الهلاك، عن تعرضه للغرق في البحر بسبب جهله التعامل مع الماء. نقرأ هذا في ديوانه الأخير «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، وكنا نتمنى حقاً لو أنها لم تنتهِ، وصف مدهش لطفولة وشباب عاديين. يمكنك حقاً أن تصف ما كتبه على أنه اختزال وتقطير ولغوي نادرين حين يحدثك عن أنواع الأمراض التي تعاني منها عائلته، عن الخلل في الشرايين، إلى ضغط الدم، والإنفلونزا، والخجل المزمن وصولاً إلى الفشل في الغناء.

تفتح عينيك واسعتين حين يصل لوصف تفاصيل جسده في قصيدة «لاعب النرد» ويخبرك: «لم أَجتهدْ كي أَجدْ شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً!» ليست هذه القصيدة الوداعية التي ألقاها على جمهوره من ديوانه الأخير استثنائية. لمحمود درويش نبوغ لغوي خارق في قدرته على إيهامك بالنثر وهو يكتب شعراً، ويجعلك تلهو بالإيقاع، بينما هو يحكي لك عن تفاصيل يومياته في الكثير من الدواوين. هذا وافر في «ذاكرة للنسيان» و«أثر الفراشة» و«في حضرة الغياب». دواوين في غالبيتها أتوبيوغرافيا درويشية مذهلة، والترميزات السياسية فيها، حتماً تحتاج إلى من يعرف مكامنها وخلفياتها، ومقاصدها. وهذا لن نصل إليه من دون مساعدة رفاق درويش الأقرب.

في المقالة التي كتبها نبيل عمرو، وهو ذكر المزيد في كتابه «محمود درويش حكايات شخصية» واضح أن الشاعر كان مثقفاً حراً ومستقلاً، رغم علاقته الوثيقة بعرفات، وتقاضيه راتباً من منظمة التحرير. فهو أحد الأدباء العرب الندرة الذين تفرغوا للكتابة وتمتعوا بترف التمويل، ومع ذلك لم يشعر بأنه يُشترى أو يُستأجر، وأن عليه أن يرضخ، أو يبيع مبادئه. عارض الكثير من مواقف عرفات وسياساته، وحين استوجب الأمر أن يستقيل من اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية»، فعل وعاند. وثمة من يروي أن تحويلاته المالية من منظمة التحرير شحّت، في تلك الفترة، بسبب معارضته اتفاق أوسلو وغضب عرفات منه، وأنه عاش في ضائقة في باريس، ومع ذلك لم يخفض السقف، ولم يتنازل عما اعتقده صواباً. تفاصيل كثيرة، وخبايا هي جزء من تاريخنا، وأساسية لقراءة نتاج محمود درويش الغني. فكل تفصيل في حياته الشخصية كان يتموضع على مفصل سياسي حاسم. والروايات المتعددة حين تتقاطع، هي وحدها قادرة على أن تشكل التراكم المعرفي المساند للبحث العلمي الحق.

حين سئل درويش في مقابلة تلفزيونية عام 2001: في ما يتعلق بصورتك، هل تستطيع أن تفصل بين الشعر والسياسة؟ أجاب «لا مش قادر أفصل».

ونحن كقراء وعشاق لقامة شعرية بتنا على ثقة بأنها لن تتكرر «مش قادرين نفصل»، حتى ولو أراد صاحب الشأن أن يقنعنا طوال حياته، بغير ذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نريد أن نعرف عن درويش نريد أن نعرف عن درويش



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
  مصر اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 12:06 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
  مصر اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
  مصر اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 06:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 19:30 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة نجلاء بدر تعلن وفاة عمها عبر "فيسبوك"

GMT 18:12 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

إغلاق مقاهي روما تحسبًا لشغب جماهير ليفربول

GMT 06:50 2022 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

تألق البرازيلي برونو سافيو في 9 مباريات مع الأهلي

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أرز بالبصل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon