بقلم : طارق الشناوي
اتصل بى الصحفى الأمريكى الفريد نداف قائلا إنه يكتب تحقيقا عن مسلسل (النهاية) الذى أثار جدلا فى تل أبيب، لأنه تنبأ بنهاية إسرائيل، وتطرق الحديث إلى التطبيع الثقافى ولماذا يضع المثقفون هذا الحائط الصلد تجاه الوجود الإسرائيلى، وهل يعبر عن الرأى العام فى الشارع المصرى؟، وغيرها من الأسئلة، وكلها بمثابة تنويعات على (تيمة) واحدة: التطبيع. أجبت، الناس البسطاء فى بلادى لا يمكن أن تتعامل مع أى منتج إسرائيلى، لن يعنيهم رخص سعره أو جودته، ولكنه مرفوض من حيث المنشأ، الرفض لإسرائيل من الممكن أن تقرأه فى الشارع، من خلال ترمومتر كثافة الإقبال على مسلسل (النهاية) رغم أنه على المستوى الفنى، لديه العديد من المآخذ، ولكن الإعجاب يعبر عن موقف فى الضمير الجمعى يحلم بزوال إسرائيل، ولو بعد 100 عام.
وأضفت، تستطيع أن تتلمس اتجاهين عبر تاريخ الصراع، الأول كان يعبر عنه الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة منذ منتصف الستينيات وهو يتوجه للصلح والعودة لحدود 48 وتنفيذ قرار التقسيم، والثانى يرفض أى محاولة للصلح ويقوده جمال عبد الناصر، ويريد إزاحة إسرائيل من الخريطة، وحدثت متغيرات عديدة بعد هزيمة 67.
الرئيس السادات بعد انتصار أكتوبر وقع اتفاقية (كامب ديفيد) واستبدل السلام الوطنى من (والله زمان يا سلاحى) إلى (بلادى بلادى)، واستقبله فى مطار القاهرة بزى اللواء الموسيقار محمد عبد الوهاب، ليقود فرقة الموسيقى العسكرية وهى تعزف النشيد القومى الجديد، من أجل أن تصل الرسالة لإسرائيل، أنه لا يريد سوى السلام، وأنشأ سفارة لهم على ضفاف النيل، وأراد أن يدخل الفن للتمهيد، وهكذا كلف صديقه الموسيقار بليغ حمدى بأن يقدم أغنية بصوت محمد رشدى (يا عبد الله يا خويا سماح)، لن تجد كلمة مباشرة عن إسرائيل، ولكن المعنى الذى أراده كاتبها حسن أبو عتمان هو التسامح مرددا تلك اللزمة (تعالى نعيش أنا وأنت/ فى دنيا كلها أفراح/ وسيبك م اللى عدى وراح)، ولا تزال الإذاعة المصرية تقدم الأغنية، والناس تتعامل معها ببساطة.
حاولوا تمرير هذا المفهوم بأن الرخاء قادم إلى مصر بعد اتفاقية السلام للحصول على تأييد شعبى طاغ، ظل هناك حائط نفسى، لم تستطع الدولة منع النقابات الفنية فى مصر أن تجتمع عام 1979 فى مسرح (البالون) ويوقعوا على بيان يرفض التطبيع الثقافى، لعب الكاتب الكبر سعد الدين وهبة دورا محوريا فى هذا الاتجاه، كل النقابات فى العالم العربى، ترفض التطبيع بل تجرمه وتحرمه، واتحاد الفنانين العرب الذى دعا إليه سعد الدين وهبه عام 1984 أصدر بيانا فى نفس الاتجاه وقدموا مسرحية (واقدساه)، والمهرجانات العربية تصدت بقوة لأكثر من محاولة اختراق، كان أشهرها عام 2009 بالفيلم الإسرائيلى (زيارة الفرقة) الذى وصلت نسخة منه إلى مهرجان القاهرة وفى اللحظات الأخيرة تم منعه، ورغم ذلك عُرض فى أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة وتلك قصة أخرى.
حدثت بعض الاختراقات، ولكن ولاتزال لدينا مقاطعة ثقافية، وهو السلاح الوحيد حاليا بأيدى العرب، وجاء مسلسل (النهاية) ليؤكد أن الغضب من الممارسات الإسرائيلية بلا نهاية!!