بقلم - طارق الشناوي
تستطيع أن ترى مصر الحقيقية فى عدد من التفاصيل، مثل شارع (المنيل) العريق، ستكتشف أن عدد المحلات السورية واليمنية يفوق كثيرا المصرية.
الناس تُقبل عليها بشغف، ولا تفرق معهم اللهجة، المهم أنه ذوق، ويقدم وجباته للزبائن بابتسامة وترحاب، وتسبقه (أهلين) أو (هلا).
فى أكثر من مكان ألمح أسماء محلات (حلو الشام)، (المأكولات اليمنية والخليجية)، مشويات (الحلبى)، حلويات (الدمشقى)، (حضرموت)، (باب المندب) وغيرها.
يقولون إن السورى بطبيعة تكوينه تاجر شاطر، أول مرة أكتشف أن اليمنى لا يقل شطارة.
دمشق من أقدم المدن فى العالم التى عرفت التجارة، وهم الذين أطلقوا على النقود (مصارى)، لأن المصريين كانوا يشترون بضاعتهم من هناك، وفى صنعاء تكمن الحضارة، وهروبا من القتل والدمار فى البلدين الشقيقين، فتحت لهم مصر أبوابها كأصحاب أرض، وليسوا ضيوفا.
أتذكر، قبل بضع سنوات، أحد المحلات السورية كان يبيع نصف فرخة مع تحابيشها بخمسين جنيها، زادت بضعة جنيهات قليلة فكتب اعتذارا للزبائن، بأن الأمر تجاوز قدرته على الإبقاء على السعر.
الزبون لا تعنيه لهجة البائع، لكن ما يقدمه له، السؤال هل نخشى على ثقافتنا سواء فى اللهجة أو الأطعمة من النكهة والمذاق السورى أو اليمنى؟، التجربة أثبتت أن كل شىء سوف تلمس فيه (التاتش) المصرى، ولا خوف علينا، وفى كل المجالات، من تذوق الأطعمة إلى تذوق الإبداع.
قبل عشرين عاما عندما كانت تتردد على الساحة الدرامية مقولة إن الدراما السورية سحبت البساط من المصرية، وأتذكر أن أعمق تعبير قاله النجم السورى بسام كوسا، وهو من أصدق أصحاب المواهب فى فن التمثيل العربى، لكن المصريين لم يتعرفوا عليه بما يستحق، لأنه لا يجيد الأداء باللهجة المصرية، بسام قال معقبا بعد احتدام الخناقة: (أين السجادة التى يتشاجرون عليها؟).
لا أجد أبدا أى مدعاة لما نراه ظاهريا صراعا، لأنه هو الدافع الحقيقى للإجادة، فلا يمكن تصور أن هناك بديلا عن الدراما أو الأغنية أو الفيلم المصرى، لكن إضافة، مثلما يقول البعض إن الرياض أو جدة ستسحبان الأضواء من القاهرة كواجهة ثقافية وفنية وترفيهية، والحقيقة أنها ستدعمها، البنية التحتية البشرية والإبداعية متوفرة بكثرة فى القاهرة، وعندما تنتعش العواصم العربية إبداعيا، ستجد أن الفنان المصرى يقف فى المقدمة، وهو ما يدفعنا أكثر لاكتشاف القوى الكامنة بداخلنا.
عندما أرى المخرج خيرى بشارة مكرما فى المملكة العربية السعودية، فى الرياض تسند له هيئة الترفيه إخراج مسرحية (حبيبتى من تكون) عن حياة عبدالحليم حافظ، بينما فى جدة تم تكريمه فى أول دورة لمهرجان البحر الأحمر أقيمت افتراضيا العام قبل الماضى، وتم ترميم عدد من أفلامه المعرضة للضياع فيجب أن أفتخر كمصرى، وللعلم بشارة لم يكرم رسميا فى وطنه، بينما زميلا الدفعة ونفس (التختة) نالا التكريم، وهما المخرجان على بدرخان (النيل)، وداود عبدالسيد (التقديرية).
التنافس يصب لصالحنا بكل أنماطه، فيلم أو مسرحية أو نصف فرخة أو ساندويتش شاورما، نلتهم بسعادة (الطعمية) السورية، حتى لو أطلقوا عليها (فلافل).
الناس من حقها أن تختار الأفضل والأحلى، ثقتى مطلقة فى ذائقة المصريين، وأهلين وهلا للجميع داخل وخارج الوطن.