بقلم : طارق الشناوي
تعودنا أن نستيقظ على أغنية سيد درويش التي أعاد الأخوان رحباني وفيروز الحياة مجدداً إليها لينساب إلى مشاعرنا صوت «جارة القمر» وهي تردد «الحلوة دي قامت تعجن في البدرية - والديك بيدن كوكو كوكو في الفجرية - يلا بينا على باب الله يا صنايعية) صياح الديك مرتبط في العالم كله، ببداية النشاط والعمل.
الكل تضامن مع حق الديك «موريس» في التعبير عن نفسه، منذ أن يستيقظ كما تعود في الرابعة فجراً وحتى الثانية عشرة ظهراً، وربما أيضاً بعدها، العالم احتفل بهذا الحكم الذي أصدرته إحدى المحاكم الفرنسية، بعد مداولات قانونية استمرت نحو عامين، وانتصر القاضي في هذا الحكم الذي نستطيع أن نصفه بالتاريخي، للحق في التعبير، خلق الله الديك وله طقوسه التي تعودنا جميعاً عليها، بينما أحد الفرنسيين الذي انتقل من المدينة - حيث لا مجال لوجود الديوك بكثرة - للعيش في الريف، أراد أن يصنع الريف على مزاجه، متجاهلاً أن في القرية قانونها الخاص، حيث يتعايش الإنسان مع الحيوانات والطيور في ود وسلام، الحمار والبقرة والخروف والخنزير وأبو قردان والهدهد والكناريا وغيرهم لهم حقوق يجب الالتزام بها، أبناء القرى في العالم كله التزموا بكل هذه القواعد بمرونة وبساطة، لا يجدون قطعاً أي غضاضة على مدى 24 ساعة في سماع صوت نهيق الحمار أو صهيل الحصان، الوجود بالقرب مثلاً من حظيرة الحيوانات مهما بلغت درجات النظافة، لا يمكن أن تضمن بعدها أن رائحة الهواء في الريف تشبه رائحته في المدينة، أهل القرى تعودوا عليها، كما أن أهل المدينة أيضاً تعايشوا مرغمين مع هواء به درجة تلوث أكبر من الريف، بسبب انتشار العربات والمصانع وغيرها، ولا يجوز أن يطالب من جاء من القرية للعيش في المدينة، بمنع السيارات وإغلاق المصانع.
الديك «موريس» تجاوز بالحكم كل هذه المتناقضات، الإطار الدلالي، الذي توحد عليه الناس، هو أن حق التعبير الفطري يجب أن نحترمه، ولا يمكن أن نقف ضد الطبيعة، ثم ما هو البديل المتاح، لمنع الديك من الصياح، الحل الوحيد هو ذبحه، وما جرى لموريس سوف يلقاه أكثر من موريس، وأكثر من حصان وحمار، وتنتهي بعدها سلالة الدواجن والحيوانات الأليفة من العالم كله.
الحق في الحرية هو الذي أحال قضية تبدو خاصة جداً لتشغل العالم بأسره، قالها يوماً الشاعر صلاح جاهين في واحدة من رباعياته «يا عندليب ما تخافش من غنوتك - قول شكوتك - واحكِ عن بلوتك - الغنوة مش ح تموتك - إنما كتم الغنا - هو اللي ح يموتك).
الصياح للديك يعني في الذائقة الجمعية حق الناس لإبداء الرأي في كل القضايا الملحة التي يتعايشون معها، صياح (كوكو كوكو) هو بداية الحق في الحرية.
هذا الزمن فرض على الجميع قواعد جديدة، فلا يمكن أن تصادر رأياً لأن وسائط التعبير تجاوزت قدرة الدولة على المنع، عشت زمناً كانت الرقابة في الماضي تحول دون وصول إذاعة مثل «بي بي سي» البريطانية للمستمع المصري، حيث كان يرافق تردد تلك المحطة، صوت صافرة يمنعك من الإنصات إليها، ومع بزوغ الألفية الثالثة، سقطت تماماً تلك الصافرة، ولم يعد هناك شيء من الممكن أن يحول دون سماع صوت الديك «موريس».