بقلم : طارق الشناوي
أرفض تماما أن يعتزل الفنان، طالما يستشعر قدرته على العطاء، كثيرا ما أستشهد بأنامل محمد عبد الوهاب التى ظل يداعب بها عوده ليمنحنا أرق وأصدق النغمات، وريشة الفنان التشكيلى صلاح طاهر، التى لم تفارقه، وقلم نجيب محفوظ الذى كان توأمه، حتى عندما صارت الكتابة شبه مستحيلة بسبب حادث الاعتداء الذى تعرض له، قاوم حتى عجزت يده عن الإمساك بالقلم، فكان الحل أن يملى خواطره، هؤلاء واصلوا الإبداع حتى التسعين، العمق الاستراتيجى دائما هو المرونة العقلية، التى تسمح له بالاستمرار فى الملعب أو تدفعه إلى أن يختار الوقت المناسب، ويقول (نكتفى بهذا القدر).
شاهدت مؤخرا (فيديو كليب) الراقصة المعتزلة وهى تبشر جمهورها باقتراب العودة، انتشرت لقطات من الحفل عبر (النت) تؤكد أنها فقدت الكثير من لياقتها، لم يعد من اللائق أن تصعد مجددا لخشبة المسرح، الراقصة العائدة، تستشهد بسامية جمال التى عادت للرقص فى السبعينيات من القرن الماضى، بعد أن تجاوزت أيضا الستين من عمرها، الفارق أن سامية كانت محتفظة بلياقتها، وقالت وقتها لسمير صبرى، إنها ستقدم وصلتها على المسرح حتى تستطيع سداد ما تراكم عليها من ديون، ولم تعاود (فراشة السينما) كما كانوا يطلقون عليها التجربة مرة أخرى، هل تتذكرون تحية كاريوكا (نعيمة ألماظية) التى لعبت دور أم سعاد حسنى فى الفيلم الشهير (خللى بالك من زوزو)، عندما رقصت (ألماظية) فى مشهد استدرج دموع المشاهدين بدلا من إعجابهم، هذا هو ما يمكن أن يتكرر واقعيا، مع من يصر على تحدى الزمن.
المخرج الكبير صلاح أبوسيف سألته عند بلوغه الثمانين لماذا تعتزل المهنة؟، أجابنى: صحيح أن الإخراج يتكئ أولا على اللياقة العقلية، إلا أن المخرج عندما يقف فى (اللوكيشن) ينبغى أن يظل قادرا على التحرك برشاقة أثناء التصوير، حتى يبث للجميع طاقة إيجابية. عندما سألوا نادية لطفى فى عيد ميلادها عن سر توقفها المبكر، أجابت: أنا خلصت (المنهج) من بدرى.
تأملوا علاقة أم كلثوم بالزمن، كانت مثلا تقدم حتى نهاية الستينيات ثلاث وصلات غنائية، ولكنها فى السنوات السبع الأخيرة من عمرها الفنى، اكتفت فقط بوصلتين، بعض الحروف كانت تُشكل لها صعوبة فى الأداء، فكانت تطلب من الشاعر تغييرها.
الفنان عليه أن يقرأ جمهوره جيدا، بعض نجومنا كانوا يواصلون العمل، رغم فقدانهم قدرا من اللياقة ينعكس سلبا على حضورهم، وما حدث فى السنوات الأخيرة لإسماعيل ياسين على خشبة المسرح أنه لم يكن قادرا على الحركة فكانوا يتحايلون على ذلك بأن يقدم مشاهده وهو جالس على الكرسى، فلم يكن مقنعا، بل أثارت تلك المشاهد دموع الناس بدلا من ضحكاتهم.
إسماعيل كان بحاجة إلى المال، ولهذا ظل يعمل حتى الرحيل وتحمل الكثير من الهزائم الفنية بعد أن ماتت الضحكة، بينما هذه الراقصة كانت تقول عن نفسها إن لديها أموالا لو وضعتها أمام شرفة منزلها ووقفت عليها سترى الهرم، وعليها فى السنوات القادمة أن تكتفى بمتابعة رؤية الهرم!!.