بقلم : طارق الشناوي
كم واحد منا صار مثله الأعلى (عليش)؟ هل يكفى أن نبتعد عن ارتكاب المعاصى حتى ندخل الجنة، أم أننا محملون من الله عز وجل برسالة، الله يريد منا أن ندافع عن الحياة، نعمرها ونواجه من يريدون اغتيالها، نزرع الحق والخير والعدل والجمال؟!. دعونا نتذكر توفيق الحكيم فى رائعته (طريد الفردوس)، التى أحالها المخرج فطين عبدالوهاب فى منتصف الستينيات إلى شريط سينمائى، عندما كان المجتمع يتمتع برحابة فكرية تؤهله لمناقشة كل الأفكار، دون أن يشهر فى وجوه الناس تهمة ازدراء أديان، أصبحنا الآن نخشى الجهر بأفكارنا.
دعونى أنعش ذاكرتكم، يرحل الشيخ (عليش) بطل (طريد الفردوس) صاحب الحظوة والبركة فى مشهد عبثى، يتقدم بثقة إلى حارس الجنة الذى يؤدى دوره بالصوت فقط عماد حمدى، إلا أنه لا يجد اسمه فى الكشف، لأنه لم يفعل شيئا فى حياته أكثر من إقامة الفروض، وانسحب تماما من كل المعارك، فلا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، يتوجه بثقة مطلقة لحارس النار، ونستمع إلى صوت توفيق الدقن، بعد مراجعة الأسماء فى الكشف قائلا: (النار ليست مكانا للمبيت لمن يرفضهم حارس الجنة)، حتى النار لها مؤهلات وكشف حساب، يجب أن يكون مستوفيا الشروط، عليه إذن أن يعود مجددا للدنيا لتحسين المجموع.. وبالفعل، يحمل (عليش) اسم (علوى)، ويترك توفيق الحكيم النهاية مفتوحة، فلا أحد من حقه أن يحدد مصير البشر (جنة أم نار).
الفيلم رغم توفره على (النت)، إلا أن الفضائيات المصرية بسبب الخوف من المتزمتين نادرا ما تعرضه، وهذا قطعا قضية تحيلنا للتساؤل عما حدث فى المجتمع المصرى خلال نصف القرن الأخير، ولماذا فقدنا التعاطى مع روح الدعابة التى تميز بها أدب توفيق الحكيم فى معالجة كل قضايانا الوجودية؟.. إنهم أبناء وأحفاد المتزمتين الذين أجبروا الحكيم فى الثمانينيات على تغيير عنوان مقاله من (حديث مع الله) إلى (خواطر)، مَن منا لم يتحدث إلى الله ودخلت فى قلبه بعدها السكينة؟!.
البابا فرنسيس (بابا الفاتيكان) جاءه طفل يبكى لأن أباه سيدخل النار، فهو لم يؤمن بوجود الله، حضنه البابا وطمنأه قائلا: (أبوك فى الجنة)، لأنه حتى رحيله كان يواجه إحساسا بإنكار الله، مجرد أنه يواجهه سيدخل الجنة.
أنشأ البعض على (النت) صورا لمقابر أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم.. ومع رحيل عدد من فنانينا الكبار، ألحقوهم بها، ووضعوا أصواتا مفزعة وموسيقى مزعجة، وأضافوا ثعبانًا أقرع ليبدأ العذاب فور استقرارهم تحت الأرض، لتصل الرسالة: هذا هو مصير كل من أسعدنا وأبهجنا، هل تجد فارقًا بين هؤلاء وعدد من أصحاب العقارات الذين رفضوا مؤخرا تعليق لوحة (عاش هنا) على باب العمارة، بحجة أن تلك الأسماء عورة، يجب أساسا إخفاؤها.. فما بالكم بالتباهى بها؟!.. من بين الأسماء المغضوب عليها شادية ومحمود رضا وكرم مطاوع وصالح سليم وصلاح طاهر وعلى إسماعيل ووجدى الحكيم ومحمود الجندى وغيرهم.
أين كنا وكيف أصبحنا؟.. كتب توفيق الحكيم عن عليش واحد، الآن لدينا حزب مسموع الصوت، متوغل ومتغول من (العلاوشة)!!.