بقلم : طارق الشناوي
من الحسنات القليلة اللى تمنع البلاوى الكتيرة للـ(سوشيال ميديا) أنها تذكرنا بين الحين والآخر بعمالقة كبار، وتعيد إلينا بعض أحاديثهم لنتأملها ونحاول أن نفهمها.
وجدت على (اليوتيوب) حوارًا نادرًا للموسيقار رياض السنباطى سجله للتليفزيون الكويتى فى أعقاب رحيل أم كلثوم عام 1975.. طبعًا كان يحكى عن المواقف والطرائف التى جمعته بأم كلثوم، وعندما سألوه عن الأصوات بعد (الست) تناول بكل تقدير سعاد محمد التى منحها قصيدة (انتظار)، وقال عنها: صوت متكامل فيه كل شىء جميل، ولكن ينقصها حاجة أنا مش عارفها.. فى حوار للتليفزيون المصرى تقريبا فى نفس العام، سأل طارق حبيب، عبدالحليم حافظ عن الأصوات، فقال عن قنديل: صوت عظيم ومتكامل ولكن ناقص له حاجة أنا مش عارفها!!.
ما هى الحاجة (اللى مش عارفينها)؟ لم يكن تعبير( كاريزما) فى تلك الحقبة الزمنية متداولا، وهو يعنى شدة القدرة على الجذب.. أعلم أن القراء، خاصة من بين السميعة، سوف يذكر على الأقل 20 أغنية شهيرة لقنديل ولسعاد محمد، ولكنه سينسى على الأقل أكثر من 200 لحن لكل منهما لم تحقق أى نجاح.
المطرب صاحب (الكاريزما) تنتشر له الأغنية بمجرد أن يؤديها، ولكنها لن تعيش مع الزمن، إذا لم تستند إلى كلمة ولحن، والنجم السينمائى صاحب الكاريزما، ينجح الفيلم فى الأسبوع الأول بجاذبية اسمه، وبعدها لا يستمر معدل إقبال الناس على شباك التذاكر، إلا إذا استند إلى رؤية مخرج.
(الكاريزما) أيضا فيها شىء من الغفران، لأنها تحمل فى ثناياها موافقة ضمنية على أن تسامح الفنان على هفواته، حتى الشخصى منها.
عادل إمام أكبر نجم عربى يتحلى بـ(كاريزما)، فهو قادر على حصد ملايين المعجبين، بينما فى جيله ليس هو الأكثر موهبة فى فن الأداء، حيث يصعد فى هذه الحالة أحمد زكى ومحمود عبدالعزيز.
هل (الكاريزما) هى التى تمنح قوة الدفع لفنان فى بداية المشوار، وتفرض نفسها مع الطلة الأولى؟!.
من الممكن أن يخفق البعض فى اكتشاف الطلة.. مارى كوينى، المنتجة الشهيرة، كانت ترى أن وجه عبدالحليم حافظ ليس (فوتوجينيك)، ورفضت حتى تصويره فى (تترات) فيلم (فجر) إخراج عاطف سالم، وطلبت من المخرج أن يكتفى فقط بتسجيل صوتى له، ولم ينس لها عبدالحليم أبدا هذا الموقف، ولهذا رفض أن يمثل أى فيلم من إنتاجها، وهو ما دفعها لأن تسند بطولة فيلم (ربيع الحب) للمطرب كمال حسنى ولم تدرك أنه مفتقد (الكاريزما).
لدينا مطربون مثل محمد منير وعمرو دياب وتامر حسنى، ليسوا من أقوى الأصوات، ولكنهم يتمتعون قطعًا بجاذبية طاغية.
(الكاريزما) ليست حكرًا فقط على الممثلين والمطربين، تجدها أيضا بين الكُتاب.. يوسف إدريس مثلا لديه (كاريزما) وهو ما ينطبق على توفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى، بينما تتجسد تلك (الكاريزما) بين الموسيقيين فى عمر خيرت، وفى الشعر عبدالرحمن الأبنودى، كانت المسافة شاسعة بينه وبين الشاعر سيد حجاب فى الحضور والجماهيرية، ولكن لا يعبر هذا طبعًا عن فارق فى الموهبة.
مرة قال صلاح جاهين: (فؤاد حداد هو الأشطر، بينما أنا الأشهر)، من الممكن أن تحيلها أيضا لفارق (الكاريزما)!!.