بقلم : طارق الشناوي
أمس قبل مغادرتى لصالة وصول (3) فى مطار القاهرة، تناهى إلى سمعى صوت يبدو من لكنته أنه شامى قائلا: (يرضيك كده يا أستاذ، يتجاهلون صورة فريد الأطرش)، وأشار إلى مكان فى أعلى الصالة، به صور عبدالوهاب وعبدالحليم وتتوسطهما أم كلثوم.
الصالة بها أيضا صور للعديد من رموزنا د. مجدى يعقوب ود. أحمد زويل ونجيب محفوظ ويوسف شاهين وغيرهم، وهى قطعا فكرة صائبة من إدارة مصر للطيران بوضع كل هؤلاء لتصافحهم العين بمجرد هبوطهم من الطائرة، وكأنهم يقولون للعالم إن مصر الحضارة لاتزال تُقدم للعالم إبداعها وفى كل المجالات.
قلت للسائل الغاضب عندك حق، ولكنه خطأ غير مقصود، وسوف أحاول إيصال صوتك وأيضا صوتى لتصحيح الوضع، وأنهيت الحوار وأنا أسأل نفسى، هل هو خطأ غير مقصود؟ أم أن هذا هو ما أتمناه، يراودنى أيضا إحساس أنه مع الأسف ربما كان مقصودا، ليس عن كراهية أو تنمر أو عدم اعتراف بإنجاز فريد، ولكن من المحتمل أن أحد كبار الموظفين، عندما طرح وضع صورة فريد، بجوار ثومة وعبدالوهاب وعبدالحليم، نبههم إلى أنه فى الأساس ليس مصريا، ولو كان تحليلى حقيقيا نصبح بصدد مأساة متكاملة الأركان، لأن الرصيد الموسيقى لفريد تُشكل الروح المصرية نسبة تتجاوز 90% على الأقل من إبداعه، لا أتصور مثلا عند تقييم المطربات المصريات، نغفل ولنفس السبب ذكر اسم وردة بحجة أنها جزائرية، وحتى الآن لايزال البعض يضيف لاسمها لقب (الجزائرية) وأعتبره نوعا من إعلان الامتنان للدولة الشقيقة، بينما وردة، كحالة فنية، إبداعها الفنى كله لمصر.
عشاق فريد الأطرش حساسون ولديهم اتهامات مسبقة للإعلام المصرى بتحيزه لعبدالحليم، ويدللون مثلا على نصيب كل منهما فى الاحتفاء بذكراه، عبدالحليم نحتفل به فى مولده ورحيله، بينما فريد نكتفى فقط بالرحيل، ولأن ذكراه تحل فى نهاية العام فإنه لا يحظى بما يستحقه، دائماً تتحول كل أجهزة الإعلام إلى مولد (سيدى حليم) فى ذكرى (العندليب)، وهذا التعبير قاله لى الموسيقار كمال الطويل، بينما فى ذكرى فريد لا يزيد الأمر على برنامج إذا عرض، وفيلم إذا وجدت له مساحة.
عشاق فريد- وهم كثر- يعتبرون أن مصر (شيفونية) فى مشاعرها، وإلا فلماذا التفرقة بين عملاقى الغناء العربى عبدالحليم المصرى ابن قرية (الحلوات) بالشرقية، وفريد السورى ابن جبل (الدروز) فى السويداء، مثلما حدث فى دار الأوبرا المصرية عندما وضعت تماثيل أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم فقط عند الافتتاح قبل أكثر من ربع قرن، ولم نتنبه إلا قبل ثلاثة أعوام فقط، وأزيح الستار، فى احتفال رسمى، عن تمثال فريد حضره وزير الثقافة السابق حلمى النمنم، ود. إيناس عبدالدايم باعتبارها رئيسة دار الأوبرا، الخطأ وارد والتصحيح واجب! كانت وصية فريد الأطرش قبل رحيله بساعات قليلة أن يدفن فى أرض مصر، وعندما تجمعت عشيرته من الدروز أمام المستشفى اللبنانى الذى توفى فيه يوم 26 ديسمبر 1974 لكى يدفنوه فى مسقط رأسه طبقا للطقوس الدرزية، قال لهم شقيقه الكبير فؤاد الأطرش إذا كنتم تحبون فريد فيجب أن تساعدونى على تنفيذ وصيته، وهى أن يدفن فى تراب مصر وطبقا لطقوسها، فكيف ينكر مطار القاهرة عليه مصريته؟!