بقلم : طارق الشناوي
الانفلات يواجه بمزيد من الانضباط، والجنون بإحكام العقل، لو فتحنا الباب لردود الأفعال الغاضبة فلن يلتئم الجرح، ولن يتوقف النزيف، أخطأت فنانة كويتية فى حق من يقيمون على أرض بلادها، ومن كل الجنسيات، ولم تحدد جنسية بعينها، رد عليها فنان مصرى، وذكرها بالدفاتر القديمة، وكل منهما تجاوز الشخص إلى الوطن، الأوطان لا تعاير أحدا، والشعوب لا تعرف الكراهية، النشاز لا يرد عليه بنشاز.
طالب البعض بضرورة أن توجه الكويت اعتذارا رسميا، أرادوا إدخالنا فى معارك خايبة تستنفد الطاقة، لا يوجد إنسان يعبر عن بلده ولا شعبه، ولا يمكن أن نطالب الدول بالاعتذار عن تجاوز فى التعبير ارتكبه شخص، مهما كان شأنه أو بلغت شهرته، لمجرد أنه ينتمى لذلك البلد، لو طبقنا هذه القاعدة، فلن يكفى إنشاء وزارة واحدة فقط تتحمل مسؤولية الاعتذارات.
نعم البعض رؤيته قاصرة ولا يرى أبعد من قدميه، هؤلاء ينطبق عليهم توصيف الكاتب الكبير محمود السعدنى (حول) فى المخ .
وإذا أضفنا لذلك حالة التوتر والهلع والخوف من المجهول التى تجتاح العالم منذ نهاية فبراير الماضى، يُصبح لزاما علينا ألا نتورط فى إلقاء مزيد من البنزين على النيران، فمن الذى سيخسر فى النهاية سوى نحن جميعا؟. من يسافر إلى بلاد الدنيا يجد أن ردود الفعل تتعدد تجاه النظرة للآخر، وبين الحب والكراهية أيضا تتعدد الدرجات، المختلف سواء فى العقيدة أو اللون أو العرق أو الجنس أو الطائفة، يثير عند البعض حساسية تختلف درجة شدتها، إلا أن مصائر الأوطان والعلاقات بين الشعوب هى الباقية، ولا تتأثر من قريب أو بعيد بتصريح منسوب لفلان أو علان، فهو فى نهاية الأمر لا يعبر سوى عن نفسه وقناعاته الشخصية.
قبل أعوام قليلة وعلى إحدى القنوات المصرية، انفلتت إحدى المذيعات وهاجمت شعبا عربيا شقيقا، صحيح أنها بعد ذلك اعتذرت، ثم بعد يومين استغنت القناة عن خدماتها، إلا أن هذا لم ينعكس أبدا على العلاقة بين البلدين، ولم يطلب أحد فى الدولة الشقيقة الاعتذار الرسمى من مصر، فلا صفة رسمية لمذيع أو فنان يقول رأيا مهما بلغ تطرفه، وليس بعيدا عن الأذهان ما حدث بعد واقعة (أم درمان) الكروية من تناحر بين الإعلام المصرى والجزائرى وبلا أى طائل، غاب العقل وفتح الباب على مصراعيه للشتائم.
بين الحين والآخر نكتشف أخطاء مجانية تقع فيها (الميديا) بعضها بحسن نية التى تؤدى بنا لا محالة للجحيم، مثلا عندما ردد البطل فى فيلم بلية ودماغه العالية اسم بلد عربى ناعتا به إحدى الشخصيات التى كان لديها عيب خٍلقى فى الملامح، ولم يكن هذا الحوار أساسا مصرحا به رقابيا، تدخلت المستشارة الثقافية لهذا البلد فى مصر وتم الحذف، أيضا سفارة دولة الفلبين اعترضت على عنوان فيلم (ولا فى النية أبقى فلبينية)، فتم حذف اسم دولة من العنوان، وانتهى الأمر عند تلك الحدود، التدخل الرسمى استند إلى منطق وضرورة، ولكن، انفلات فنان سيظل يتحمل مسؤوليته فقط الفنان، والمشرحة مش ناقصة قتلى!!