بقلم : طارق الشناوي
قاتل الله النقل العشوائى، الذى يحيل البشر إلى مرددين لكل ما سمعوه أو حتى تناهى إلى سمعهم، فى تلك اللحظة التى يغيب فيها العقل، نبدأ النقل ونفتقد أهم ما منحه الله لنا وهو وزن الأمور قبل الإقدام عليها، والأفعال قبل الإتيان بها، والأقوال قبل خروجها من الأفواه.. تابعت الشيخ الجليل وهو يدعو الله فى عز الجائحة (اللهم اشفِ مرضى المسلمين)، قالها بصوته الجهورى، لأنه سمعها ملايين المرات، فاكتسبت مشروعية التداول، لو افترضنا جدلًا أن الدعوة استُجيب لها، وحيث إن عدد المسلمين بكل طوائفهم لا يتجاوز 20% من سكان المعمورة، ولأن الفيروس ينتقل بالعدوى من شخص إلى آخر، البدهى أن الأغلبية ستنقله مجددًا للأقلية، فما الذى سيجنيه فى هذه الحالة المسلمون؟ ثم لو استبعدنا حالة (كورونا) وامتدت الدائرة لكل المرضى فى العالم، كيف يصبح حالنا، عندما نجد أن الأقلية فقط من البشر هم الأصحاء.
الدعاء بشفاء المسلمين لم يجهر به فقط شيوخنا، ولكن عددًا من الإعلاميين يكررون فى برامجهم نفس الدعاء، إنها الثقافة المريضة التى تربينا عليها، وعمقها الاستراتيجى الأسرة والمدرسة، الثقافة المتردية صنعت هذا الوهم فى النفوس، وهو أن الله للمسلم فقط والجنة للمسلم فقط، ولدينا فى الحقيقة ليس عشرات من التسجيلات بل مئات وآلاف، بعضها لشيوخ كبار وهم يحللون معنى الكفر باعتباره لغويًا يعنى الإنكار، ولهذا لا يجدون غضاضة فى وصف المسيحى بالكافر، ويضيف أن المسيحى يرى من وجهة نظره المسلم كافرًا، متجاهلين أن الناس لا تفتح القاموس عندما تسمع صفة كافر، الإطار الدلالى للكلمة يسيطر على الذهن بمجرد سماعها، فتتذكر على الفور تلك المسلسلات الدينية التى تربينا عليها وهى تصف الكفار بكل أنواع الرذائل ونردد معهم (ثكلتك أمك).
علينا الدخول بعمق فى البنية التحتية لتلك الأفكار، حتى نستطيع سحقها من الجذور، ربما يتنبه الشيخ فى خطبة الجمعة القادمة ويعلن (اللهم اشفِ مرضانا جميعًا) ولكن هل هو حقًا يعنيها، أم أن ما فى القلب فى القلب؟.
خلق ثقافة جديدة هو (اللقاح) الذى نبحث عنه، لأنه يمنع العدوى، لا تراهنوا كثيرًا على العلاج فى اللحظة الراهنة، ولكن المصل الذى يحول دون انتقال عدوى فيروسات التعصب.
سرت نكتة بعد كورونا أن المسلمين سوف يتوقفون عن الدعاء بشفاء المسلمين فقط، وسوف يتغير الدعاء إلى اشف المسلمين والمسيحيين والبهائيين والهندوس وغيرهم، لأنهم اكتشفوا أن هذا هو الطريق الوحيد للنجاة، ورغم قسوة ظلال النكتة إلا أن البعض لم يستوعبها.
كتبتُ بعد رحيل الموسيقار ميشيل المصرى أنه فى الجنة، وهو ما كررته مع الفنان إبراهيم نصر، قناعتى أن الله يحاكم القلوب (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) صدق الله العظيم، الآية صريحة، (إلا من أتى الله بقلب سليم)، البعض لا يزال لديه إحساس بأن الدين يمنحه فقط كارنيه للشفاء ودخول الجنة، الممنوعة عن الآخرين، لأنهم لا يحملون نفس الكارنيه!!.