بقلم : طارق الشناوي
ما أكثر الأكاذيب فى حياتنا السياسية والثقافية والفنية، المأزق الحقيقى ليس فى الأكاذيب، ولكن فى استسلامنا لترديدها وتدويرها. هل نحن نسعى حقا لتصحيح أخطائنا أم صرنا نستسهل الحكاية، ونردد تلك المأثورة التى أشك أصلا فى كونها مأثورة (خطأ مشهور خير من صواب مجهول)؟ عندما رحل قبل بضعة أشهر الراقص الشعبى الأول بمصر محمود رضا، كرر الجميع فى مختلف المواقع والقنوات الفضائية تلك المعلومة، المتوفرة على (النت)، وهى أن الراقصة نعيمة عاكف كانت هى المرشحة الأولى كبطلة الفرقة، وبعد رحيلها المفاجئ، اضطر الشقيقان محمود وعلى رضا، الاستعانة بفريدة فهمى، الفرقة بدأت عروضها عام 59، نعيمة عاكف رحلت 66، نعيمة عاكف عاشت سبع سنوات فى عز تألق الفرقة!!.
كذبة شهيرة أخرى، الفنانة أنعام سالوسة تولت تدريب سعاد حسنى على فن الإلقاء.
أكثر من مرة كذبتها أنعام، مؤكدة أنهما التقيتا كوجهين جديدين فى فرقة عبدالرحمن الخميسى، وكان من أعضاء الفرقة الممثل الكوميدى إبراهيم سعفان، وهو أساسا مدرس لغة عربية ودربهما معا على فن الإلقاء، كما أنه علم سعاد القراءة والكتابة، والد سعاد لم يكن يؤمن أساسا بمبدأ تعليم الأطفال فى المدارس، كانت وجهة نظره أن التعليم المنهجى يقتل الفطرة التى وهبها الله للإنسان.
نكرر مثلا أن المخرج العالمى ديفيد لين كان قد وقع اختياره فى مطلع الستينيات على أحمد رمزى عندما شاهده بالصدفة فى أحد الكازينوهات بمصر، واتفق معه على موعد الاختبار لفيلم (لورانس العرب)، إلا أنه لم يلتزم فرشح عمر الشريف، الغريب أن الشريف ورمزى كذبا الحكاية أكثر من مرة، إليكم كذبة أخرى أحد أطرافها الرئيس جمال عبدالناصر، تؤكد أنه أصدر أوامره لأم كلثوم وعبدالوهاب باللقاء معا فنفذا الأمر الرئاسى، لم يكن هذا أبدا صحيحا، ولكنهم وجدوا فى ترديدها فرصة ليؤكدوا عمليا على حب ناصر لصوت أم كلثوم وموسيقى عبدالوهاب، الحقيقة كما رواها عبدالوهاب أن بذرة المشروع بدأت عند أم كلثوم، هى التى طلبت منه عن طريق عازف الكمان الشهير أحمد الحفناوى، وكان صديقا مشتركا، تقديم لحن لها، وبالصدفة كان يضع اللمسات الأخيرة لـ(انت عمرى)، فقرر أن يمنحها لأم كلثوم، كما أن محمد الدسوقى ابن شقيقة أم كلثوم والذى كان مسؤولا عن كل مشاريعها الفنية، أكد فى أكثر من تسجيل، أن ناصر، لم يكمن طرفا أبدا فى الحكاية.
استسلامنا للمعلومات الخاطئة نوع من الكسل الذهنى، فوجئت مثلا المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد عندما جاءت لمصر، قبل بضع سنوات، للتكريم فى مهرجان (أسوان) السينمائى، أن الصحافة تطلق عليها (بوحريد)، والسبب أن فيلم (جميلة) الذى أخرجه يوسف شاهين قبل نحو 60 عاما، أخطأ فى اسمها فصار الإعلام ينطقها على طريقة يوسف شاهين، متجاهلا اسمها فى جواز السفر.
الكثير من المراجع تقول إن الفنان الكبير عبدالوارث عسر عندما استمع إلى صوت شادية وصفها قائلا (شادية العرب)، ولهذا أطلقوا على فاطمة شاكر اسم الشهرة شادية استجابة للوصف البليغ لعبدالوارث، بينما الحقيقة الموثقة بصوت شادية أنها هى التى أطلقت على شادية (شادية)!!.