بقلم : طارق الشناوي
لا يقدم (الأوسكار) مبررات تؤيد نتائجه، حيث إن ما يربو على 8 آلاف عضو يشاركون في التصويت، ولو فعلها فأنا أتصور أن المسافات الرقمية بين فيلمى (الطفيلى) و(1917) سنجدها طفيفة جدًا ولصالح قطعًا الفيلم الأول.
من انتصار إلى آخر هكذا ينتقل فيلم (كوريا الجنوبية) الرائع (الطفيلى) مكللاً بالجوائز، الرحلة بدأت مايو الماضى في مهرجان (كان)، عندما اقتنص (السعفة الذهبية)، ثم استحوذ على (الجولدن جلوب) كأفضل فيلم أجنبى، ثم أضاف (البافتا) البريطانية، حتى يتوج بأوسكار (سيد أفلام العام)، إخراج وسيناريو بونج جون هو، الذي حصد أيضا الجائزتين.
مزج الفيلم بين عمق القضية الاجتماعى والسياسى والاقتصادى والحالة الإبداعية الجمالية التي حافظ على تحقيقها في كل التفاصيل، انتقل برشاقة بين الكوميديا والتراجيديا، في الجزء الأخير من الأحداث انقلاب درامى، تمكن المخرج من تحقيقه بقدر من النعومة وكأنه (مايسترو) يُمسك بمشاعر جمهوره.
يبدو المخرج وكأنه يستلهم الصراع الدائم في عالم البحار، يستعيد بتماثل بشرى سمكة القرش التي تملك قدرة استثنائية على الافتراس، تغرس أسنانها الحادة في جسد الضحية، وتأكل بنهم، إلا أنها بين الحين والآخر تحتاج إلى طبيب أسنان يتولى مسؤولية التنظيف، السمكة الصغيرة، والتى يطلقون عليها (قملة القرش) تدخل بين الأسنان وتتغذى على بقايا الطعام.
بين القرش والقملة اتفاق ضمنى وعقد اجتماعى، أول بنوده السماح بدخول أسراب من تلك الأسماك، صفقة عادلة للطرفين، قانون الطبيعة، يمنح حتى الضعفاء حق الحياة.
خيال المخرج لم يكتف بالوقوف عند هذا الحد، بل ذهب بعيدًا، تساءل: ماذا لو قررت (القملة) التمرد على البقايا وحلمت بأن تأخذ هي نصيب القرش؟.
هذا هو مفتاح الفيلم، القراءة الأولى تبدو أقرب للمعادلة الحسابية، أسرة فقيرة خفيفة الظل تتلاعب وتتحايل على كل شىء، من أجل الحياة، وتتكون من أربعة أفراد، تقابلها أسرة ثرية تنفق أموالها بسفه وتتكون من أربعة أيضا.
لا يملك الفقراء للتشبث بالحياة سوى العيش على البقايا، وأداء دور (قملة)، لاقتحام تلك الأسرة، ولا تدرى الأسرة الثرية التي تم احتلالها من قبل هؤلاء بتلك الخديعة، التي مارستها الأسرة الفقيرة، لإبعاد الفقراء الآخرين، الذين كانوا يعملون في المنزل، نجح المخرج أن يجنب جمهوره في إصدار حكم أخلاقى يدينهم.
يحرص على تقديم التناقض الاقتصادى، الذي تعيشه كوريا الجنوبية، ما بين مجتمعات مخملية، وأخرى لا تجد قوت يومها، يتطفلون بسرقة (باسوورد النت) من الجيران، وبتزوير شهادات الخبرة، حتى ينفردوا بغزو الأسرة الثرية، وليس أمامهم بديل، لا حياة يعيشونها، ولا مستقبل أمامهم.
الصورة المضادة لكل ذلك، نتابعها في ذهاب الأسرة الفقيرة للعيش في منزل الأثرياء، بعد أن سافروا في إجازة بضعة أيام، تذكرنا بالعديد من الأفلام المصرية، التي تلجأ لتلك الحيلة، حتى يبدأ الإحساس بالتناقض الذي يدفعنا للضحك، ثم الذروة في الانقلاب الدرامى، عند إقامة حفل ضخم، وعلى أفراد الأسرة الفقيرة بث البهجة في النفوس، وتتحول المعالجة الكوميدية إلى قمة التراجيديا، ويسأل ابن الفقراء ابنة الأثرياء، وهو يتابع الحفل من الشرفة: هل أنا أنتمى لهذا العالم؟ وفى لحظة جنون بسبب تراكم الكبت يمارس الأب الفقير لعبة القتل للجميع، وتنفجر في وجوهنا الدماء المتناثرة في عز البهجة والفرح.
(قملة القرش) تمردت في لحظات وقتلت سمكة القرش. (الطفيلى) من حقه الحياة الكريمة على الأرض وإذا لم يجدها سينتزعها بالقوة