بقلم : طارق الشناوي
في بدايات السينما الناطقة، استعان «استوديو مصر» الذي أنشأه رجل الاقتصاد طلعت حرب عام 1935 بالمخرج الألماني فيرتز كرامب، لتصوير أول أفلام أم كلثوم «وداد». في أحد المشاهد طلب المخرج عدداً ضخماً من الشباب في مقتبل العمر لأداء معارك، وتمت الاستعانة بريجيسير اسمه قاسم وجدي، وكان من العناصر الهامة جداً في بدايات السينما، لأنه يجيد التواصل مع «الكومبارس».
المشكلة التي واجهت الريجيسير هي العثور على نحو 200 شاب لتصوير المشهد، فخطط لتلك الخدعة، كانت بين الحين والآخر تندلع المظاهرات في المدارس ضد المحتل البريطاني، وتتعطل على أثرها الدراسة، فاتفق قاسم مع عدد من زعماء الطلبة أن يمنح كل منهم 10 قروش كأجر، ويهتفون في الصباح الباكر داخل حوش المدرسة ضد بريطانيا «نموت نموت وتحيا مصر» ثم ينتقلون إلى الهتاف التالي: «اليوم حرام فيه العلم»، وغادروا بالفعل المدرسة إلى الاستوديو تنفيذاً للاتفاق، وتم التصوير، ولم يش أحد منهم بما حدث، فكلهم وافقوا على قواعد اللعبة.
حكى لي الفنان كمال الشناوي أنه كان كثيراً ما يلعب بطولة أفلام من إنتاج وإخراج حلمي رفلة الذي كان يطلب منهم في اليوم الأخير للتصوير، أن يحضروا معهم ملابس مغايرة للشخصية التي يلعبونها، وبعد لقطة النهاية يرتدونها، ويتم تصويرهم في لقطة جاذبة، ويكتب تحتها اسم وهمي لفيلم قادم وينشرها في الجرائد، ويتلقى بعدها أكثر من عرض لعدد من موزعي السينما في لبنان يطلبون التعاقد معه على الفيلم الذي لم يشرع أساساً في تنفيذه.
حكاية أخرى رواها لي كمال الشناوي أيضاً عن حلمي رفلة، وكيف أنه كان يتفق مع أصدقائه في وزارة الداخلية بمجرد وصول القطار الذي يستقل إسماعيل يس قادماً من الإسكندرية إلى بنها التي تبعد نحو نصف ساعة عن القاهرة، حيث يصعد عدد من جنود الشرطة إلى القطار لاصطحاب إسماعيل يس الذي كان جدوله عادة متخماً بتصوير نحو 5 أفلام في الوقت نفسه، إلا أن رفلة يسبق الجميع ويأخذه «سُمعة» إلى «لوكيشن» أقامه في بنها، قبل أن تتبدد طاقته في تصوير أفلام أخرى.
في عام 1964، كان الكل ينتظر أن يتم اللقاء في «أنت عمري». للمرة الأولى يجتمع صوت أم كلثوم وأنغام الموسيقار محمد عبد الوهاب. أطلقوا على الأغنية «لقاء السحاب». وبعد أن استمعت «الست» للحن، طلبت بعض التعديلات الطفيفة، لكنها لاحظت أن عبد الوهاب يتلكأ في التنفيذ، واتفقت مع الموسيقار كمال الطويل على تلحين «أنت عمري». وكما روى لي الطويل أنه بدأ فعلا في «الدندنة»، إلا أنه تراجع عن استكمالها بعد نشر الخبر، لأنه شعر أن الناس سيغضبهم دخوله على الخط حائلاً دون اللقاء بين العملاقين. ونجحت خطة أم كلثوم وأجرى عبد الوهاب التعديل المطلوب.
على الجانب الآخر، جاءت الخدعة هذه المرة من عبد الوهاب، لاستكمال أغنية «أنا والعذاب وهواك». كان من المعروف أن كاتب الأغنية الشاعر عبد المنعم السباعي من المتيمين بحب الفنانة مديحة يسري، فهي ملهمته، فوجه عبد الوهاب الدعوة إليهما في عيد ميلاده، وطلب منها أن تسلم عليه بفتور حتى تحرك طاقته الشعرية لاستكمال المقطع الأخير، فكتب: «عينيك بتتكلم والرمش بيسلم وأنت مخاصمني». قليل من اللعب لا بأس به!