توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

امرأة تسرق الحلوي والفرح من الزمن الضنين!!

  مصر اليوم -

امرأة تسرق الحلوي والفرح من الزمن الضنين

بقلم : طارق الشناوي

زادت مساحات الاحتراز عالميًا، وفى العديد من الدول العربية ارتفعت معدلات الخوف من الضربات الشرسة التى من الممكن أن يوجهها كورونا، قرر الفيروس فى صراعه مع البشرية من أجل البقاء أن يعلن الحرب مجددًا لمواجهة الأدوية واللقاحات التى باتت على أبواب التناول، فتحور ليصبح أشد فتكًا وضراوة، ولا تمنعه كل حواجز الصد والمواجهة.

وحتى تستعيد الدول فى أغلب أنحاء العالم كل أسلحة المقاومة، كان الإغلاق والتأجيل للأنشطة، خاصة الثقافية، هو الحل المباشر والمتاح، وبات رأس السنة فى العديد من دول العالم مؤجلًا حتى إشعار آخر مطلع 2022.

تابعنا لحظات حرجة عاشها مهرجان (قرطاج) وهو يرقب عن كثب هذا الصراع الذى وجد فيه نفسه طرفًا فاعلًا، كلما اقتربنا من أمل تقديم لقاح للبشر أجمعين، اكتشفنا أن هناك من يستعرض على الجانب الآخر قوته وجبروته.. ويظل السؤال: ألا يمكن أن يصل بنا الأمر إلى مرحلة متوسطة نحترز فيها بنفس قدر إقبالنا على الحياة؟!، وكان هذا هو تحديدًا رهان (قرطاج) ومجموعة العمل فى إقامة المهرجان مع زيادة مساحات المواجهة الذاتية، وجاءت كلمة المخرج رضا الباهى رئيس المهرجان فى نهاية الاحتفال مؤكدة أن نتيجة الفحص لكل الضيوف قبل المغادرة هى (صفر)، الكل أخذوا شهادة بات الجميع ينتظرونها بعد الفحص تؤكد (السلبية)، وهنأ الجميع أنفسهم بتلك النتيجة الموثقة من المعمل التونسى التابع للدولة، وهى شهادة للمهرجان على نجاحه فى تأمين الجميع.

أتابع قطعًا الزملاء والأصدقاء وهم يعلنون بين الحين والآخر إيجابيتهم وإصابتهم بالفيروس، وتحوطهم دعوات الجميع بالشفاء العاجل.. الملمح الإيجابى فقط فى تلك الجائحة هو تلك الحميمية التى أراها فى الوسائط الاجتماعية، يتلقاها كل من أعلن إصابته، والدعوات لا تنقطع فى انتظار الشفاء. كلنا عشنا لحظات تأمل منذ أن وجدنا أنفسنا خاضعين لتلك الجائحة، وصرنا نستعيد الزمن، رغم أن الزمن لا يعود، وكما يقولون «أنت لا تنزل البحر مرتين»، وهكذا فإن (نستولوجيا) الحنين للماضى لا يمكن الركون إليها فى الحكم المطلق على الإبداع بعد إسقاط حاجز الزمن، عندما نشاهد العمل الفنى القديم لا نستعيد لحظة مشاهدة ثابتة فى الزمان والمكان، ولكن نطل عليه من شرفة زماننا الحالى.

ومن هنا جاءت فكرة استعادة الذاكرة التى سيطرت على فعاليات المهرجان، مع زيادة جرعة السينما التونسية لكى يشاهدها العالم ويتعرف على آخر إنتاجها، دائمًا ستلمح نصيبًا معتبرًا للسينما المصرية، خاصة أفلام يوسف شاهين، فهو (عراب) السينما التونسية، الفيلم الوثائقى الذى شاهدناه فى حفل الختام كان مرصعًا بلقطات متعددة ليوسف شاهين، فى واحد من أشهر أفلامه (باب الحديد).. وهكذا، أطلت علينا أيضا هند رستم بشقاوتها وخفة ظلها.

لحظة الذروة فى أى مهرجان هى عند إعلان النتائج.. هذه المَرّة لا أحد كان ينتظر نتيجة فيلم، بل نتيجة مهرجان قرر فى عز الأزمة أن يرقص على إيقاع الحياة، فكانت البهجة على خشبة المسرح فى العروض المقدمة هى مقدمة (الكادر) وكان أيضا الالتزام بكل مظاهر الاحتراز هو عمق (الكادر).

عُرض فى النهاية الفيلم التونسى القصير المبهج ( بلبل)، للمخرجة أمينة المكشر، بطولة فاطمة بن سعيدان.. الفكرة رائعة، امرأة تعيش مع زوج سكير، كل آمالها فى الحياة لا تتجاوز فقط أن تنهى رصيدها مع الأيام مع هذا الرجل السكير، ولا شىء مشتركًا يجمعهما، نكتشف فى اللقطات الأولى أنهما متباعدان، قطبان متنافران، حتى إنها تخفى عنه علبة السكر التى يبحث عنها، بينما هى تخبئها لتتناولها وحدها فقط.. التباعد العاطفى هو المحور الأساسى لتلك العلاقة، وتكتشف وهى تُطل من شرفة المنزل قاعة الأفراح أسفل العمارة، فتقرر أن تسرق الفرحة وتقتحم الأفراح وتدخل القاعة مستغلة أن أسرة العريس ستعتقد أنها محسوبة على أسرة العروس، والعكس، وهو موقف كثيرًا ما شاهدناه فى الأفلام المصرية، إلا أن الزاوية الجديدة للمخرجة، والتى حرص عليها السيناريو، وهى أن نرى المجتمع التونسى بعيون هذه المرأة، هدفها الأساسى هو أن تعيش لحظة فرح وتضمن بعدها عددًا من قطع الحلوى تدسها فى حقيبتها بعد أن تراقب كل العيون أولًا لتضمن ألا يفتضح سرها، وحتى يحدث ذلك عليها أن تشارك فى إطلاق زخات متلاحقة من الزغاريد تملأ القاعة، والمشاركة بكل ما أوتيت من لياقة بدنية فى الرقص، وأن ترسم فى كل مرة السعادة على وجهها.. والحقيقة أنها فعلا سعيدة، وحفلات العرس تنعش روحها بعد أن تخرج فى نهاية كل سهرة وهى تعد الغنائم التى دستها فى الحقيبة بعيدا عن الأعين.

ومن خلال تلك المواقف الدرامية، قدمت لنا المخرجة (المكشر)، المجتمع التونسى بكل طوائفه على اختلاف وضعها الاجتماعى والاقتصادى، المنحرفين أخلاقيا وأيضا المتزمتين دينيا، وكشفت بذكاء حالة التطرف الكاذب الذى تفضحه العيون، النساء يدخلن القاعة منتقبات، وبمجرد أن يذهب الرجال ترتدى النساء الملابس العارية خلف النقاب، يعود بعدها الرجال فينقلب كل شىء إلى التزمت، حتى أغانى الفرح تتحول إلى موسيقى دينية لتتواءم مع الحالة التى يعيشنها، إنه النفاق الاجتماعى بكل تنويعاته.

الزوج كما هو لا يتغير، بينما المرأة قررت أن تمنح لحياته لمحة إنسانية دافئة وتتبادل معه يوميا قطع الحلوى المسروقة وهما يضحكان، ليعيشا الحياة الضنينة فى أفراحها، بينما تسرق هى يوميا الفرحة مثلما تسرق قطع السكر، إلا أنها هذه المرة تتقاسمها مع زوجها.. المرأة التونسية دائما هى صانعة القرار على الشاشة، وبعيدا عنها أيضا.. فاطمة بن سعيدان هى واحدة من دُرر التمثيل العربى وليس فقط التونسى، ولو كانت قد أتيحت لها مساحة فى الدراما المصرية لاحتلت مكانة متقدمة فى البيت العربى كله وليس فقط التونسى.

ومضت أيام قرطاج سريعة وأيضا مبهجة، وانتهت الرحلة بإعلان رئيس المهرجان رضا الباهى أن الدورة رقم (32) سوف تقام فى 30 أكتوبر القادم وحتى 5 نوفمبر 2021، والكل يتمنى أن تأتى كل مهرجانات الدنيا القادمة فى لحظة زمنية فارقة يحتفل فيها العالم بنجاحه فى قهر الفيروس ونعيش عالمًا بلا كمامة!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

امرأة تسرق الحلوي والفرح من الزمن الضنين امرأة تسرق الحلوي والفرح من الزمن الضنين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon