بقلم : طارق الشناوي
لاحظ فريق من العلماء أن أحد أنواع الأرز ينمو بغزارة أكثر من الأخرى، اكتشفوا عند التحليل الجينى أن السر يكمن فى تواجد نوعين متضادين من الجينات، واحد يؤدى إلى استطالة حبة الأرز، والآخر يحول دون ذلك، وفى النهاية ينتصر جين النمو ويفرز كل ما لديه من طاقة ويطول أكثر وأكثر.
إنه الصراع الأبدى، يعتقد كُثر أن الكبار يحاربون الصغار حتى يقهروهم، كثيرًا ما نستمع إلى عشرات من الأنات والصرخات، تفاصيل متعددة نتابعها فى الكواليس تؤكد كل ذلك، الراسخون على القمة عادة لا يرحبون بالقادم؛ فهو بالنسبة لهم عدو محتمل، سيقاسمهم الأضواء والأموال، تجد كبارًا يتورطون فى ضرب الأصغر منهم، إلا أن صاحب الموهبة الحقيقية يملك طاقة داخلية تمنحه عادة أسلحة للدفاع عن موهبته.
تسليم الراية بسهولة من جيل إلى جيل أمر يقترب من المستحيل، لم تعترف (سلطانة الطرب) منيرة المهدية فى العشرينيات من القرن الماضى بأن هناك موهبة جديدة اسمها أم كلثوم، ستفرض نفسها، ووجهت أحد الصحفيين للطعن فى شرفها حتى تعود لقريتها (طماى الزهايرة) وهى منكسة الرأس مكسورة الجناح، لولا أن عوامل البقاء داخل أم كلثوم تفجرت، وأيقنت أن استسلامها سيؤكد الشائعات، لم يكن عبد الوهاب- على عكس كل ما يتردد- مرحبا بصوت عبدالحليم، وفى لجان الاستماع كانت أم كلثوم توافق على اعتماده مطربًا بينما عبدالوهاب يتحفظ، حتى نجح عبدالحليم فى اكتشاف المفتاح، وهو أن يقنع عبدالوهاب بأنه سيصبح صوته وليس منافسًا له وأن نجاحه سيقسمه على اثنين، وهكذا الضربات الوهابية التى صاحبت بدايات حليم تحولت إلى أسوار تحميه وتدفعه للأمام.
كثيرًا ما أتابع صرخات تعلن: «منعونى واستبعدونى»، وفلان استغل سلطته وأغلق أمامى الأبواب وهى بنسبة كبيرة صحيحة، مثلًا عندما يستشعرون أن مطربا سوف يبزغ اسمه يتم الاتفاق مع إحدى شركات الإنتاج على (تسقيعه) أى توقيع عقد احتكار عدة سنوات، برقم لا يستطيع مقاومته، وشرط جزائى معتبر، ثم لا حفلات ولا تسجيلات، عدد كبير من المطربين واجهوا فى البدايات تلك الضربات التى تنتهجها شركات الكاسيت، ويأتى الحل أن ثمن المطرب يرتفع لو كان ينطوى على موهبة حقيقية، وتتعاقد معه شركة أخرى وتسدد الشرط الجزائى، عوامل البقاء تبدأ فى التعبير عن نفسها بقوة وتنطلق كل ملكاته الكامنة.
قبل قرابة خمسة عشر عامًا وبينما كل من أطلقنا عليهم (المضحكون الجدد) أعنى جيل محمد هنيدى، كانوا يحصلون على بطولات مطلقة، فقرروا أخيرًا الدفع بماجد الكدوانى فى فيلم (جاى فى السريع)، وجاءت النتائج سقوطًا سريعًا، وعاش ماجد الاكتئاب، ثم خرج بعد عدة أشهر أشد قوة، وصار من بعدها ورقة رابحة حتى لو لم يأت اسمه متصدرًا (الأفيش)، أصبح رمانة الميزان فى العديد من الأعمال على الشاشتين.
الوجه الآخر من الحكاية هناك بالفعل من يُهزم فى الجولة الأولى ولا يتحمل قسوة الضربات، ويتم إخراجه مبكرًا من الحلبة، هؤلاء لا يملكون ما يكفى من جينات البقاء، عندما يهاجمهم جين الفناء بدلًا من أن يحرك بداخلهم وهج الإبداع، ينكسرون وينطفئون، وقبل أن تدهسهم العربات يغادرون قطار الفن مع أول محطة.