بقلم : طارق الشناوي
من الألقاب العزيزة على نادية لطفى (صاحبة الحدوة)، فهو بالنسبة لها أعلى شأنًا من لقب (صاحبة العصمة)، الذي أنعم به في الأربعينيات جلالة الملك فاروق على أم كلثوم.. بدأت نادية لطفى مشوارها مجرد (حدوة)، وهو يشبه مثلا درجة (العريف) قبل أن تحظى بمكانة (صاحبة الحدوة)، تلك هي قواعد (جماعة الحمير) التي أنشاها الفنان الكبير زكى طليمات في الثلاثينيات، وعندما يتبادلون فيما بينهم التهنئة يرسلون باقة من البرسيم الطازج.
إنها ليست جمعية للرفق بالحيوان كما يتبادر للذهن، هدفها الأساسى هو الرفق بالإنسان، ولا يحق لأحد التقدم للالتحاق بالجمعية، أعضاؤها يرشحون من تنطبق عليه الشروط، وهكذا أثناء تصوير فيلم (الناصر صلاح الدين)، لا حظ زكى طليمات الذي شاركها البطولة أن نادية حمار شغل، فألحقها (حدوة) بالجمعية.
لماذا الحمار؟.. لأنه عنوان للعطاء دون انتظار مقابل، بل كثيرا ما يتعرض للإهانة، بينما يحظى الحصان مثلًا بكل أصناف الطبطبة والدلع، وهو لا يقدم للإنسان جزءًا ولو يسيرًا مما يفعله الحمار.
قالت لى إنها عندما تريد الحصول على مساعدة من أحد الأثرياء لاستجلاب معدات لمستشفى، لا تقدم نفسها باعتبارها الفنانة نادية لطفى، ولكن الحمارة نادية لطفى، وأضافت حصلت مرة على 100 ألف جنيه بتلك الصفة، وأنا واثقة لو قلت له الفنانة نادية لطفى فلن يزيد المبلغ على عُشر هذا الرقم، كم نجمة توجد في مصر؟ ولكن الحمير عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
مفتاح هذه السيدة الرائعة التي من الممكن أن تحصى عدد أفلامها ولكنك لن تستطيع أن تحصى أبدًا إنجازها الإنسانى، مفتاحها أنها حددت مبكرًا موقفها من الدنيا، ستقف مع كل محتاج أو ضعيف، وما أشد ضعفنا وحاجتنا عندما يستبد بنا المرض!، فكانت تذهب وهى طفلة مع أي مريض في العائلة لتقيم في سرير بجواره، حتى يسترد صحته، ومع الأيام وجدت نفسها لا تكتفى فقط بمرضى العائلة، مجرد تواجدها بالمستشفى فتّح عيون الطفلة لكى تعود كل المرضى الآخرين في الحجرات والأسرة الأخرى، عندما اقترب رشدى أباظة من حافة النهاية حاول البعض استثمار حالته في صورة فوتوغرافية، أقامت نادية كعادتها بجوار غرفته بالمستشفى، حتى ترعاه وتمنع أي اعتداء على خصوصيته.
البعض سألنى عن ديانة نادية لطفى.. يرونها في الكنائس كما في المساجد، تمنح للبسطاء ما تستطيع، فيلمها الوحيد الذي أنتجته (دير سانت كاترين) إخراج نبيه لطفى، اسمها الحقيقى بولا، تيمنًا براهبة مسيحية أحبتها أمها، واسمها ثلاثى بولا محمد شفيق، تضرب مثلًا في النقاء، فهى أولًا (الإنسان ولو مالوش عنوان).
كانت تسجل بالكاميرا كل شىء عندما ذهبت إلى لبنان مطلع الثمانينيات، لحماية ياسر عرفات من الانتقام الإسرائيلى، وثقت تلك اللحظات التاريخية، أخبرتنى مثلا قبل نحو شهر أنها تحتفظ بلقاء أشرفت أنا عليه في مطلع التسعينيات بنقابة الصحفيين، وكان حاضرًا معها محمود ياسين وأمينة رزق وجورج سيدهم، أما أحب الأشرطة إلى قلبها فهو لحظة تتويجها بأعلى درجة في جمعية الحمير (صاحبة البردعة)!!.