بقلم : طارق الشناوي
هل تصدقونهم، فنانة مضى بها قطار العمر بات هدفها التأكيد للجميع أنها (مُزة الأمس واليوم والغد) وهاتك يا صور بالمايوه، وأخرى هدفها التأكيد أنها من البيت للجامع ومن الجامع للبيت، هاتك يا صور مع سجادة الصلاة. تغير الزمن الذى كان يحرص فيه الفنان على أن يظل بعيداً عن اللمس، الناس لا تتعامل معه كحالة إنسانية بشرية يحب ويكره وينجب ويتزوج ويخلع لو تقاعس ولو قليلا عن تنفيذ طلب الطلاق، الفنان صار متاحا للجميع، بيوتنا جميعا من زجاج شفاف.
لو عدنا للزمن الماضى الذى نطلق عليه (الفن الجميل)، رغم أن كل حقبة بها الجمال والقبح، لا يوجد زمن يحتكر الجمال وآخر حصرى للقبح، ستجد فى الماضى غطاءً يغلف حياة المشاهير، وإليكم حكاية الإذاعية الكبيرة الراحلة آمال فهمى مع أم كلثوم، كما روتها لى.
كان أغلب المذيعين الذين ينقلون حفلات (الست) على الهواء عبر أثير الإذاعة يقدمون كلمات الأغنية ويتحدثون قليلاً عن المؤلف والملحن، ثم تأتى لهم الفرصة بين الوصلتين لوصف فستان أم كلثوم، لا أحد منهم يتجاوز أكثر من ذلك، ولا يجرؤ، إلا أن آمال فهمى قررت أن تقفز فوق السور، وتخرج بعيدا عن المقرر الذى صار مكررا، استغلت علاقتها بسعدية، وصيفة أم كلثوم، والتى كانت بمثابة كاتمة أسرارها، وعرفت منها ماذا أكلت أم كلثوم قبل الحفل فى وجبة الغذاء، واحتفظت بتلك القنبلة لتفجرها فى الوصلة الثانية للحفل، وقبل أن تفاجئ آمال فهمى الجمهور بهذا السبق، قررت أن تجرب وقع المفاجأة أولا على أم كلثوم، فى الاستراحة، وقبل رفع الستار بلحظات، قالت: (أنا عرفت إنتى أكلتى إيه النهارده)، ردت عليها بكل ثقة: (لا أحد يعرف يا شاطرة ماذا أكلت أم كلثوم) فاجأتها بقولها: (ربع دجاجة وكوب عصير برتقال ورغيف خبز أسمر، وطبق أرز، وطبق سلطة)، وهى بالتمام والكمال وجبة غذاء أم كلثوم، هاجت وماجت أم كلثوم بعد أن افتضح سرها، ولم تستطع آمال فهمى أمام فيضان الغضب العارم سوى أن تنسى ما اعتبرته سبقا، واكتفت بأن وصفت فقط للمستمعين لون الفستان، وبعد إسدال الستار، استدعتها أم كلثوم إلى غرفتها، وقالت لها إنها كانت تعتقد وهى صغيرة أن كبار الفنانين لا يمارسون حياتهم مثل البشر، وأنهم أقرب إلى الأساطير، يشربون ماء اللوز، ويأكلون ما ترسله لهم ملائكة السماء.
تغيرت مفردات الزمن وسقطت أوراق (السوليفان)، ورغم ذلك لا يزال القسط الأكبر من الفنانين حريصين على تقديم صورة ذهنية من وحى خيالهم، لتمحو ما قد يتردد من كلمات ومواقف تكشف زيف الصورة، الناس لا تحكم فى العادة على الفنان فقط من خلال ما يقدمه عبر الشاشة، دائما تبرز صورة نرسمها لهم، ومن أجلها كثيرا ما يضعون رتوشا على الحقيقة، رسموها ولونوها بريشتهم.
أتابع بين الحين والآخر (ماسبيرو زمان) لأكتشف مجددا أحاديث نجومنا الراحلين، نعم لم يذكروا كل الحقيقة، كانوا يقولون (كذب مرتب)... الكذب الآن يقسم لك بالثلاثة أنه (منعكش)!.