بقلم : طارق الشناوي
قبل أيام، وعلى الصفحة الأخيرة من جريدتى (المصرى اليوم) شاهدت صورتين من حفلين متناقضين تماما، الأول يحييه مطربى المفضل على الحجار فى محافظة قنا ضمن مهرجان (دندرة) الغنائى، بإشراف وزارة الثقافة، وآخر يحييه مطربى المفضل عمرو دياب فى التجمع الخامس. شعرت مع الصورة المنشورة للحجار بأن جدى يغنى بالإسموكن والببيون والحذاء الأسود اللميع، وبكل وقار يقف على المسرح، مع جمهور أيضا يبادله وقار بوقار، بينما مع دياب أرى حفيدى يرقص والبساط أحمدى مرتديا الكاجوال والكوتش.
حفل الحجار الدخول مجانا، والجمهور تجاوز 10 آلاف، بينما دياب امتلأت قاعة مسرح (المنارة) عن آخرها، بعض التذاكر يتجاوز سعرها الألف جنيه، ولو ذهب دياب لاستاد القاهرة سوف يمتلئ بـ100 ألف، كل منهما له جماله ومنهجه وشريحة عمرية واجتماعية وثقافية رئيسية يتوجه إليها، أذنى لديها لهفة لمتابعة الجد والحفيد بنفس درجة الشغف، مشاعرى فى الرياضة تميل لتشجيع اللعبة الحلوة على شرط أن يلعبها (الأهلى)، بينما فى الفن أصفق للنغمة أو اللقطة أو الريشة الحلوة، فقط تأسرنى الحلاوة.
هناك من يريدون صناعة خصومة بين فن وفن، جيل وجيل، طبقة وطبقة، الفن عابر للأجيال والطبقات والأمزجة، وهو ما لا يستطيع أن يدركه حتى الآن سدنة نقابة الموسيقيين، دائما لديهم محاولات يائسة لمصادرة ما لا يروق لهم، رغم أن الفن بطبعه نمارس فيه جميعا الديمقراطية فى أزهى وأنقى صورها، بينما الديكتاتورية التى تمارسها النقابة بقدر لا ينكر من الغلظة، سوف تموت بالسكتة الجماهيرية، لأنها لا تكف عن ترديد نغمة نشاز، عندما تصنع من نفسها وصيًا على مشاعر الناس. الحجار تجاوز بأربع سنوات الستين من العمر، بينما دياب يفصله عن الستين عام واحد، بينهما فقط خمس سنوات، ما منح كل منهما البقاء فى البؤرة قرابة 40 عاما، أنهما عبرا عن أحاسيسهما بصدق، ولم يستعر أى منهما ملامح من سبقه، كل منهما له تجربته وبيئته وطموحه وثقافته، الحجار انطلق بعيدا عن الإطار التقليدى الذى ورثه أغلب المطربين الذين ظهروا نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، فكانوا تنويعات صوتية على من سبقوهم من أم كلثوم وعبد الوهاب حتى عبد الحليم، الحجار أدرك أنه جاء لدنيا مختلفة بمفردات وأبجدية أخرى.
دياب قرر أن يقتحم المدينة من بورسعيد ليغنى نبض جيله وناسه، لديه مؤشر قلما يخطئ يوجهه للكلمة والنغمة التى يتوق لسماعها الناس الآن، مشاعر دياب توجهه إلى كل ما هو طازج وساخن ومبهر و(روش)، بينما الحجار يؤرقه شىء آخر، فهو يدرك أنه ليس كل ما يلمع من الكلمات والألحان ذهبًا، ولهذا يبحث عما يكمن خلف اللمعان، موطنه المفضل المسرح الغنائى لو وجد، وبالطبع لم يعد لدينا، ولهذا ستجد أن عنوانه الأثير هو ساقية (الصاوى) مع جمهور الطبقة المتوسطة المطحونة اقتصاديًا، بينما حفلات دياب على الشواطئ والمدن الجديدة لجمهور مرفه، بالطبع (السوشيال ميديا) متاحة مجانًا لكل الجماهير بكل الطبقات.
أسمع جدى باحترام وأسمع حفيدى بإعجاب، أقول الله لجدى، وأصفق وأرقص مع حفيدى!!