بقلم : طارق الشناوي
قراءة المزاج الشعبى ليست مهمة سهلة، أولاد البلد يكشفون فى لحظات الزيف، ويميزون بنظرة عابرة، بين الذهب القشرة، والمعدن الأصلى، والمخرج محمد سامى هو أكثر مخرجى الشاشة الصغيرة- بعد الراحل إسماعيل عبدالحافظ- قدرة على الوصول ببساطة إلى عمق الوجدان لرجل الشارع، وتقديم الذهب عيار 24، وهكذا احتل مسلسل (البرنس) وقبله بأربع سنوات (الأسطورة) ولنفس البطل محمد رمضان ذروة درجات المشاهدة عبر الفضائيات.سألت المخرج الكبير صلاح أبوسيف عن مخرج الشباك؟ أجابنى لا أنا ولا يوسف شاهين نستحق اللقب، الوحيد الذى يتبوأ عرش الإيرادات هو حسن الإمام، لأنه أكثرنا معرفة بالجمهور.
وبرغم أن محمد سامى لم يتخصص فى (الميلودراما) وقدم فى مشواره التليفزيونى أنماطا درامية مختلفة، مثل (حكاية حياة) و(كلام على ورق)، إلا أن ذروة النجاح تحققت قبل أربع سنوات مع (الأسطورة)، حيث كان المصريون من فرط عشقهم للمسلسل يتواعدون على المقاهى للمشاهدة الجماعية، ولولا غلق المقاهى لتكرر الأمر هذه المرة أيضا.
قراءة مزاج الناس تتكئ على دراية خاصة بكل المفردات، لأنه لن يتسامح مع أى هامش من الكذب، سامى يتعامل بدرجة حرفية عالية فى كتابته للنص حتى تصبح كل الأدوار أبطالا، وليس فقط رمضان، الكل يتوهج فى مساحته، وكثيرا ما يشرع سامى فى كتابة (مونولوج درامى) طويل، ولا يعنيه هل سيلقيه رمضان أم زاهر أم روجينا أم سلوى عثمان، المهم أن يحدث التماهى مع الناس، وهو ما حدث مع (مونولوج) سلوى عثمان وعرفت لأول مرة (التريند).
فى هذا القالب تجد مساحة من الصراخ فى التعبير، حتى فى ألوان المكياج، وروجينا مثلا هى النموذج الواضح والمباشر، التطرف حتى فى استخدام الألوان يتواءم مع بلوغ الدراما الذروة، وهكذا جاء الأحمر الفاقع على شفايف روجينا، هو المعادل البصرى للجنوح فى المشاعر، ملحوظة أتمنى ألا تحاكم المسلسل وغيره طبقا لمحاكم التفتيش الأخلاقية.
محمد سامى يقدم نغمة درامية شجية لها جمهور عريض، المخرج وهو أيضا الكاتب ويعرف بالضبط شفرة مشاهديه، وينتقل من حالة إلى أخرى. ما نتابعه يقع فى إطار (تيمة) شهيرة وهى الانتقام، حيث يتعاطف الجمهور مع البطل، ويشعر أنه لا ينتقم فقط لنفسه، ولكنه ينتقم أيضا لهم وبالنيابة عنهم ولكل ما صادفوه فى حياتهم من ظلم، وهو ما مهد إليه سامى، عندما يقول رمضان لرفاقه المساجين عند وداعه، إنه سوف يعود إليه مجددا، وربما يتشبث البطل فى اللحظات الأخيرة هذه المرة بمبدأ (العفو عند المقدرة) ربما، عموما كل الأبواب مشرعة، والحالة الدرامية تحتمل أكثر من حل.
نغمة الأداء فى كل الأدوار زاعقة جدا والانفعال يصل للذروة، ومن هنا جاء مفتاح أداء محمد رمضان وهو يقف على الجانب الآخر، وبقدر محسوب بالهدوء فى الحركة والنبرة والنظرة، تصل الرسالة، الأداء الناعم الهامس، تدركه أكثر فى دائرة الصخب، (البرنس) حالة استثنائية حققت نجاحا لا يمكن إنكاره عند الناس، وعلينا احترام الذائقة الشعبية!!