بقلم : طارق الشناوي
على كثرة ما شاهدت من أعمال فنية لمنى زكى، أتوقف أمام دوريها فى الأعوام الخمسة الأخيرة (حنان البغدادى) فى فيلم (من 30 سنة) لعمروعرفة، و(تحية عبده) فى مسلسل (أفراح القبة) لمحمد يسن، الأول قدم لنا الوجه الكوميدى لمنى المسكوت عنه، والذى نادرا ما يلتقطه المخرجون، والثانى نرى فيه منى الأنثى عندما تتحرر من القواعد الصارمة التى حاصرت اختياراتها فيما أطلقنا عليه (السينما النظيفة)، وجدت منى بدون أن تقصد أنها العنوان لنوع من الفن المحافظ الذى يفرض معايير أخلاقية ليس لها علاقة قربى أو نسب بالفن، ولكن هكذا أرادوها وهى أبدا لم تقصد، ولهذا عندما تمردت وصلت للذروة قبل عشر سنوات، على الشاشة فى دور الإعلامية (هبة يونس) فى (إحكى يا شهرزاد) تأليف وحيد حامد وإخراج يسرى نصرالله.. أطلقها وحيد فى أول إطلالة لها مسلسل (العائلة) وحررها أيضا وحيد فى (شهرزاد).
لا أزال أراهن على أن كل هذه التنويعات الدرامية وغيرها، التى ابتعدت فيها منى عن القولبة ستصبح هى بحر الإبداع القادم، لو امتلكت الإرادة وقررت مغادرة حمام السباحة الذى أرغموها على العوم داخل جدرانه الخانقة، وعمقه المحدود.
كان الفن بالنسبة لها وهى مراهقة فى الرابعة عشرة من عمرها، مجرد لعبة قررت أن تمارسها ولو لمرة واحدة، وهكذا ذهبت لنجمها المفضل «محمد صبحى» لتشارك فى اختبارات مسرحية «وجهة نظر» تأليف لينين الرملى، ليقع اختيار «صبحى» عليها، من بين العشرات الحالمين سواء أكانوا موهوبين أم موهومين، وتتحول مع الأيام اللعبة إلى حياة ومصير لتنتقل إلى التليفزيون مع مسلسل «العائلة» لـ«وحيد حامد» و«إسماعيل عبدالحافظ»، وتؤدى دور ابنة البواب، كنت واحداً من الذين لمحوا فيها وهج النجومية قبل نحو ربع قرن، وأشرت على صفحات (روزاليوسف) لتلك الموهبة القادمة، يبدو زمنا طويلا، ولكن لا تنسى أن منى بدأت وهى طالبة فى السنة الأولى بكلية الإعلام، ومع الأيام ازدادت قناعتى بأن «منى» تملك إشعاعا وبريقا وحضورا، وتنطلق إلى دروب ودهاليز السينما وتقترب من مشاعر الناس، لتصبح من أهل البيت، وتلك ميزة أخرى تمتعت بها، فهى صارت واحدة من أفراد العائلة!!.
العائق الأول الذى واجهته، هى وجيلها ولا يتحملن المسؤولية الكاملة عنه لأنه ميراث للجيل السابق عليهن أقصد به «يسرا»، «ليلى علوى»، «إلهام شاهين»، حيث كانت البطولة فى أغلب أفلام الجيل السابق معقودة للرجال أمثال «عادل إمام» و«محمود عبدالعزيز» و«أحمد زكى» و«نور الشريف»، ولم تستطع أى نجمة من الجيل السابق على «منى» أن يحققن نجومية مباشرة فى شباك التذاكر.. ربما باستثناء عدد من المحاولات الخجولة، ولكن شباك التذاكر بمعنى (نجمة الشباك)، ستجده فقط مع «نادية الجندى» و«نبيلة عبيد». وهما أيضا انكسرت شوكتهن، قبل بداية الألفية الثالثة، وهكذا بات على منى وجيلها أن تتواجدن تحت مظلة نجوم شباك أمثال محمد هنيدى وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز وغيرهم.
هل «منى» لديها جمهور يقطع لها التذكرة؟! لا شك لها مساحة على خريطة الناس الوجدانية، يقطعون من أجلها التذكرة، ليست نسبة طاغية، لكنها على أقل تقدير تستطيع أن تقرأ لها أرقاماً فى الشباك، وأن يصنع لها أيضاً أفلاماً تتحمل هى مسؤوليتها، اسمها يشكل عامل جذب وتصدرت بالفعل البطولة المطلقة فى أكثر من فيلم، فى البداية مثلا «من نظرة عين» 2003 إخراج «إيهاب لمعى» وهو أحد الأفلام ذات الميزانيات القليلة، ونجح الفيلم فنياً ومادياً بالقياس بالطبع إلى ميزانيته المحدودة، رغم أنها مثلت دور العروس، التى تستعد للزفاف وكانت فى الواقع حاملا فى شهرها الأخير!!.
فى فيلم «خالتى فرنسا» 2004 للمخرج الراحل «على رجب» قدمت دور بنت بلد أمام «عبلة كامل» واستطاعت «منى» أن تتخلص من النمطية وأسلوب الكليشيهات التى ارتبطت عبر تاريخنا بأداء مثل هذه الشخصية، وبالفعل شاهدت بنت بلد مختلفة بنت بلد موديل (الألفية الثالثة)، الفيلم أكد للمرة الثانية أن «منى» مشروع نجمة شباك حيث إنها و«عبلة كامل» شكلتا معاً قوة جذب جماهيرى!!.
اخترقت «منى زكى» فى عدد من المحاولات صخرة صنعها السينمائيون وهى أن البطولة تساوى الرجل، مثل (تيمور وشفيقة) لخالد مرعى، بطولة مشتركة مع السقا، أما الصخرة الثانية وهى السينما النظيفة فإن هذا الجيل من النجوم والنجمات يراهنون على أن المجتمع المحافظ يفضل أن يرى نجماته فى حالة احتشام أمام الكاميرا لا قبلات.. لا مايوه.. لا عرى، و«منى»، أصبحت بدون قناعة منها عنوانه وهو يشكل قيداً على مساحة الاختيار أمامها، السينما التى أطلقوا عليها نظيفة لا تسمح بأكثر مما تقدمه «منى»، إلا أنها أكثر من مرة تمردت.
هل هى فتاة الأحلام؟!.. لكى جيل فتاة أحلام.. هكذا كانت «ليلى مراد» فى الأربعينيات و«فاتن حمامة» فى الخمسينيات و«سعاد حسنى» فى الستينيات، هل «منى» هى فتاة أحلام هذا الجيل، كانت تقف قبل 20 عاما على أول السلم، وربما صعدت أيضاً عدة درجات لكنها لم تصل إلى قمة السلم، حالة التوحد والهيام الكاملة، لم تتحقق لا معها ولا مع غيرها، إلا أنها بالقياس لبنات جيلها تقدمت الصف وشاركتها حنان ترك، قبل أن تتحجب وتعتزل.
«منى» صنعت من موهبتها وخفة ظلها واحة غناء يحيطها سور اسمه الذكاء، وقد تنبت على جدران السور أشواك تحميها من أى عدوان خارجى. منى ترنو دائماً للقمر فيروز (جارة القمر) وسعاد حسنى (أخت القمر) أما «منى زكى» فإنها تسعى لتحتضن القمر.
استحقت عن جدارة فى المهرجان جائزة التميز، التى تحمل اسم سيدة الشاشة فاتن حمامة، وواثق أن منى فى السنوات القادمة ستزداد تألقا على شرط أن تزداد تحررا!!.