بقلم : طارق الشناوي
خبر لا يمكن أن يمر ببساطة، مى زايد مخرجة فيلم (عاش يا كابتن) تتبرع بقيمة جائزة الجمهور التى حصلت عليها من مهرجان (القاهرة) وقدرها (15 ألف دولار) لصالح مركز تدريب الفتيات لرفع الأثقال بالإسكندرية، أحببت الفيلم كحالة فنية صنعتها بألق المخرجة الشابة، وامتد إعجابى بالإنسان بداخلها الذى لم يتوقف عن إدهاشى، قدمت درسًا على الشاشة وبعيدًا عنها.
لم تكن أم كلثوم تقدم حفلات فى أعقاب 67 لتذهب فقط إيراداتها لدعم القوات المسلحة، كانت تدفع أيضًا من جيبها للفرقة الموسيقية، حتى تذهب الحصيلة كاملة للوطن.
مع بداية ثورة 52 تبرع أغلب نجومنا لصالح الثورة الوليدة وفى 67 قدموا عروضًا على الجبهة لزرع الثقة فى نفوس الجنود، كثيرًا ما كان مثلا كل من الإذاعيين طاهر أبوزيد وسامية صادق وآمال فهمى يذهبون إلى المستشفيات وينقلون عبر أثير الإذاعة لقاءت وأغانى ومداعبات يقدمها عبدالحليم وفريد وشادية وصباح ونجاة ويوسف وهبى وفريد شوقى وإسماعيل ياسين، وغيرهم مع المرضى، لرفع روحهم المعنوية، إنه الواجب الاجتماعى الذى كان جزءًا حتميًا من طقوسهم اليومية.
للناس قلوب تحاسب، حتى لو لم يحاسب القانون، وأقول لمن لم يشاهد الفيلم إن المركز الرياضى كان مجرد خرابة فى الإسكندرية أحالها مدرب الفريق إلى جيم شعبى، من أجل أن تتعلم فتيات الثغر الفقيرات رفع الأثقال ويحققن حلمه حتى بعد رحيله.
الفيلم أبكانا ونحن نتابع إصرار الفتيات على تحدى جبال المعوقات المادية والنفسية، وأبكانا مجددًا عندما شاهدنا المخرجة تتنازل عن قيمة الجائزة كاملة، لصالح مركز الفتيات.
مجتمع لديه كل هذا التحفظ المشوب أيضا بالتحفز، ورغم ذلك نجد فتيات يقاومن ومدربًا عجوزًا يقف معهن فى نفس الخندق ـ تراجعنا كثيرا، كانت الصحفية الكبيرة أمينة السعيد فى الثلاثينيات من القرن الماضى، تلعب التنس وترتدى (الشورت) فى جامعة القاهرة (الملك فؤاد) سابقا، بينما فى منتصف الخمسينيات عندما كان (أبورجيلة) هو المسؤول عن النقل العام أعلن عن حاجته لوظيفة كمسارى، ولم تتقدم الفتيات، فما كان من الصحافة سوى أن هاجمته، وأعاد الإعلان عن وظيفة (كمسارية)، فتشجعت الفتيات، وقدمت السينما لتواكب الحدث فيلم (الكمساريات الفاتنات).
أين الآن الإحساس بالمسؤولية الأدبية لدى القطاع الأكبر من نجومنا؟ (ولا الهوا) ـ أغلبهم ينطبق عليه توصيف (أنوى)، وهو بالمناسبة تعبير استخدمه كاتبنا الساخر الكبير أحمد رجب فى (شنبو فى المصيدة) واكتشفنا مع النهاية أن (أنوى) لا تعنى فى واقع الأمر شيئا على الإطلاق، نعم مهما حقق النجم من شهرة وأموال يظل لا يساوى شيئا فى ضمير الناس، إذا تهرب من دفع الثمن.
(15) ألف دولار لفنان فى بداية الطريق يعنى الكثير، ولكنها نسيت تماما أنها المخرجة التى صنعت فيلما سينمائيا رائعا واستحقت عن جدارة ثلاث جوائز، تذكرت فقط أنها الفتاة المصرية التى آمنت بالفكرة وبالفتيات وبالكابتن رمضان، فقدمت عنهم شريطها السينمائى بكل الحب والشجن، شاركت البنات الحزن على رحيل (كابتن رمضان) وشاركتهن الفرحة على خشبة المسرح بالجوائز، وتقاسمت معهن تصفيق الجماهير.
مى زايد ضربت لكم جميعًا المثل، يا من تعيشون فى جزيرة (لا لا لاند