بقلم : طارق الشناوي
نتحدث كثيرا عن مساجد حملت أسماء عدد من الفنانين: مسجد محمد الكحلاوى وحسين صدقى وفريد شوقى، وغيرهم، رغم أن مسجد «رئيس دولة التمثيل»، كما كان يناديه معاصروه، الكائن بحى العجوزة، لم يشيده فريد، فقط كان يذهب للصلاة فيه كل يوم جمعة، فهو على مقربة من (الفيلا) التى كان يقطن فيها (ملك الترسو والبريمو)، ويأتى إليه العشرات من المحافظات المصرية لمشاهدته وهو يصلى، شهرة فريد دفعتهم لإطلاق اسمه على الجامع، والذى يقع أيضا على مقربة من بيت واحد من أهم أساطين قراء القرآن الكريم فى العالم العربى، الشيخ محمود خليل الحصرى، لكن الناس لا تذكره إلا باسم فريد شوقى.
قرأت قبل ساعات عن مسجد هيثم أحمد زكى، والذى قرر زملاؤه وبعض أصدقائه تشييده من أموالهم والصلاة الجمعة القادمة يوم افتتاحه، سوف توضع على الواجهة اسمه، وهو الخبر الذى أشارت إليه على صفحتها حفيدة فريد شوقى وصديقة هيثم، الفنانة ناهد السباعى.
موقف رائع وجميل من هؤلاء الشباب الذين قرروا تخليد ذكرى صديقهم والإنسان النبيل الذى غادرنا وهو لا يزال فى بداية المشوار، وعانى الكثير من الألم، بعد أن فقد تباعًا الأم والجد والجدة والأب والخال، تعاطفنا معه، حتى من لم يعرفوه هزهم قطعًا رحيله المبكر.
السؤال الذى تردد بداخلى: أليس من الأجدى أن ننشئ مستشفى مثلا باسم هيثم، أو يتم التبرع بهذا المبلغ لمستشفى قائم بالفعل مثل أبو الريش للأطفال، والذى مع الأسف لا يحظى بأى دفء اجتماعى، هذا ما يعرف فى الدين الإسلامى (الصدقة الجارية)- موقن أن كل الأديان تحمل هذا المعنى ربما بأسماء أخرى- أى تلك الصدقة التى تظل تمنح البشر سعادة لأنها تزيح عنهم همومهم، وهو ما يصب فى كفة حسنات من رحلوا عنا، هذا هو بالفعل ما يحتاجه المصريون جميعا، الهدف الأسمى مساعدة الناس، لمواصلة الحياة.
مصر من أكثر دول العالم، إذا لم تكن أكثر، فى كثافة عدد الجوامع والزوايا، والتى تجد فيها أحيانا بين الجامع والجامع جامعًا، وبين الزاوية والزاوية زاوية، ولا نكتفى بهذا القدر نصلى كثيرا فى الطرقات، مثلما يحدث مثلا أسفل سلالم ماسبيرو، حيث يفترش الموظفون وبعض الزائرين الأرض للصلاة، ويعرقلون حركة الناس، برغم تواجد أكثر من جامع وزاوية فى هذا المبنى الذى وصفوه بالعملاق، أيضا ستكتشف على الجدران فى حجرات الموظفين، تنتشر يفط أحاديث تحث الجميع على الصلاة، ولا يوجد يافطة واحدة تحثهم على العمل.
أتمنى أن نفكر بصوت مسموع، مسلمين وأقباطًا، فى تخليد من نحبهم بتوجيه الأموال لهدف عام يجنى ثماره البشر أجمعين، وهو قطعًا ما يرضى الله، لأن فى كل الأديان الإيمان محله القلب، والصلاة تجوز فى البيت.
لماذا فكر هؤلاء الشباب فى توجيه أموالهم المحدودة لجامع يحمل اسم هيثم؟، إنها عقيدة متفشية فى المجتمع، تتبنى مبدأ أن الحسنات فقط هى تلك التى نحصل عليها من ذكر اسم الله.
إنها الثقافة الغائبة عن هذا الجيل، والتى ازداد غيابها مع الأسف خلال العقود الأخيرة، حيث يعتقدون أن الجانب الدينى فقط هو الذى يوزن فى حساب من غادرونا، بينما العطاء بشتى ألوانه هو الصدقة الجارية التى تسعد الناس، وتظل تجرى من جيل إلى جيل ولا تنفد أبداً.