بقلم : طارق الشناوي
عام مختلف مضى وقد تغيرت تماما حياتى من (مسافر زاده الخيال) كما يردد عبد الوهاب، بشعر محمود حسن إسماعيل، فى قصيدة (النيل)، إلى خيال فقط بلا سفر ولا حقيبة.
(الفيسبوك) لديه ذاكرة توقظنا مهما حاولنا التناسى، وأول ما نتناساه هو يوم ميلادنا، لأنه يدفعنا لا شعوريا للمراجعة، وإعداد (جردة) لما فات، وكالعادة نكتشف التقصير، القسط الأكبر من عمل اليوم أجلناه للغد وبعد بعد الغد، أمضيت العام كله داخل حدود الوطن بعد أن ألزمتنا (كورونا) بالإقامة الجبرية، فيما عدا بضعة أيام قضيتها فى تونس الخضراء، لدعوة الصديق المخرج رضا الباهى لحضور مهرجان (قرطاج) السينمائى، فى أول دورة تسند إليه قيادتها.
أحتفظ بثلاث حقائب متعددة الأحجام، للتوافق مع عدد أيام المهرجانات، فى الماضى كنت أحيانا أجمع بين الحقائب الثلاث، لانتقالى مباشرة من مهرجان إلى آخر، شاهدت ميلاد العديد من المهرجانات العربية، مثل دبى ووهران وأبوظبى والدوحة والبحرين وغيرها، فى تلك التظاهرات نتذكر وجوها غابت عن الدنيا، ونرى وجوها أخرى نصافحها لأول مرة، حتى الشحاذين كنت أرى شحاذة فى مدينة (كان) مع أول مرة تابعت فيها المهرجان عام 92، وحتى أعوام قليلة خلت، لم تغير موقعها، كما أننى أتذكر هذا النصاب، الذى يلقى بخاتم ذهب على الأرض، ويوهمك بأنه غير قادر على الانحناء وعندما تهم بالتقاطه، يؤكد أنه ليس خاتمه، ولكنه فقط محتاج إلى 10 يورو لكى يركب قطار العودة لمدينته، هذا يكفى جدا لكى ألقى بالخاتم مجددا على الأرض، فى مهرجان (كان) أتذكر هتافا يسبق عرض أى فيلم يتكرر فيه اسم (راؤول) ناقد فرنسى راحل تعود أن ينطق بصوت مسموع باسمه قبل عرض الأفلام، وبعد رحيله لا يزال زملاؤه القدامى يهتفون بمجرد إطفاء نور القاعة قبل العرض (راؤول.. راوؤل)، ملحوظة من روى لى حكاية (راوؤل) الناقد الكبير الراحل د. رفيق الصبان، والذى كان يُشكل مع كل من يوسف شريف رزق الله ووحيد حامد وسمير فريد وأحمد صالح بالنسبة لنا ملامح المهرجان، وجودهم فى الأفلام يعنى أن للفيلم أهمية، أنفاسهم لا تزال فى القاعات.
فى المهرجانات نكتب عن الأفلام والندوات واللقاءات، وحتى الكواليس بكل تفاصيلها، لكننا لا نكتب عن أنفسنا وعما نشعر به، لأننا لسنا آلات تذهب ثم تعود، وأعترف لكم بأن أسوأ مشاهدة تلك التى نجد أنفسنا مضطرين لحضورها فى المهرجانات، لأننا متخمون بكثرة الأفلام التى تتدفق علينا، وفى اليوم الواحد قد يصل كم المشاهدات أحياناً إلى خمسة.. هل هذه عدالة؟! نظلم أنفسنا بقدر ما نظلم الأفلام، لأنك بعد أن تشاهد الفيلم ينبغى أن تعايشه ليشاهدك ويتعايش معك، كيف يتحقق ذلك وأنت تلهث من فيلم إلى آخر، ثم بعد أن نعود من السفر ينبغى أن تستعيد نفسك قليلاً قبل أن تشد الرحال إلى مدينة أخرى ومهرجان آخر، ووجوه تلتقى بها كثيراً، ووجوه تشاهدها لأول مرة، ووجوه تكتشف فى العام التالى أنها كانت المرة الأخيرة!!.
أسعد بالأيام وأشعر بالشجن على الزمن الذى يُسرق من بين أيدينا، يقول عبد الوهاب (أنا من ضيع فى الأوهام عمره) شعر على محمود طه فى قصيدة (الجندول)، أما أنا فأقول لكم (أنا من أنعش بالمهرجانات عمره)، ولن أردد مثل شاعرنا الكبير كامل الشناوى (عدت يا يوم مولدى / عدت يا أيها الشقى)، لأننى أشعر بأننا جميعا نولد مجددا، مع كل إشراقة شمس!!.