بقلم : طارق الشناوي
لو سألت الموسيقار محمد على سليمان عن أفضل مطربة أنجبتها مصر؟ ستأتى الإجابة أنغام، وإذا قلت له تقصد طبعا بعد أم كلثوم؟ سيرد بكل ثقة، أبدا هى تسبق أم كلثوم، فلقد تخرجت من أكاديمية (سليمان) الموسيقية.
الأب لعب دورا أساسيا فى البناء العميق والاستراتيجى لأنغام، واستطاع قبل أكثر من 30 عاما أن يضعها فى المكانة الصحيحة، ربنا وهبها صوتا يدخل القلب، والأب تمكن من تدريبه وصقله وقدم لها فى بداية الطريق الكثير، وتصور أنه بالضرورة مسؤول عن كل تفاصيل حياتها الفنية وأيضا الشخصية، ومن هنا اشتعل الصدام، منذ اللحظة التى قررت أن تتزوج ممن اختاره قلبها، فامتنع عن حضور حفل الزفاف، وبدأت رحلة المتاعب، هو يريدها ملكية خاصة، مثلما فعل الرحبانية (عاصى ومنصور) مع فيروز، أو محمد سلطان مع فايزة أحمد، أدركت أنغام أنها يجب أن تتطلع للجيل الجديد، وكانت فى نفس الوقت حريصة على أن يواصل الأب رحلته معها، بينما سليمان تصور أنه الوحيد الذى يعرف (شفرة) نجاحها، اشترط أن تقدم شريط كاسيت كاملا من ألحانه، لا تسمح لأحد سواه بالتلحين فلم تستجب، فقرر أن يلحن لأى مطربة من الممكن أن يستشعر أنها سوف تنافس ابنته، لم تحقق ألحانه بعيدا عنها النجاح، ومع الزمن هبط بسقف طموحه من تلحين شريط كامل لأنغام إلى نصف شريط، فلم تستجب، ثم هبط أكثر إلى مجرد أغنية على الشريط أيضا لم تستجب.
حالة من الغضب ممزوجة فنيا وإنسانيا، الأب المكلوم فى ابنته الصغيرة غنوة والتى رحلت فجأة قبل عام، وخاصم بعدها الدنيا، يعيش على أمل أن تصبح أنغام هى نافذته لكى تصالحه مجددا على الدنيا، لا أشك لحظة واحدة أن أنغام تقوم بدورها المادى كاملا تجاه أسرتها الكبيرة، ولكن سليمان يعيش على أمل أن تعيده أنغام بصوتها للدائرة الفنية. كان لا يتوقف فى الماضى عن اتهامها بالإباحية حتى فى اختيارها لملابسها وليس فقط ألحانها، أما الآن فهو لا ينتقد أى شىء خاص بها، بل يسارع على صفحته بكتابة التهنئة والتأييد مثلما حدث بعد زواجها من الموزع أحمد إبراهيم. يقدم لها بين الحين والآخر رسائل اطمئنان على أمل أن يعود من خلالها للضوء، فهو مثل أى فنان فى الدنيا يسعد عندما يتردد اسمه، وهى الوحيدة القادرة على إنعاشه.
هل تتعمد أنغام إقصاء أبيها عن المشهد؟ لا أتصور أن فى الأمر سبق إصرار،، بينما هو اعتبر تجاهله إعلانا مبكرا من أقرب الناس إليه يعجل بموته ودفنه تحت الأرض، مشاعر معقدة جدا، بين الأب وابنته، منذ بداية المشوار، لم أكن أرتاح مثلا عندما كان يجبرها وهى طفلة أن تغنى له (إلا أنا) تقول الكلمات (تزعل من الناس كلها إلا أنا/ وإزاى من غيرك إنت أكون أنا/ تتعب بحس إللى تعب هو أنا)، الأب لا يرضى سوى بالطاعة العمياء. هل تواصل أنغام الصمت؟ أتصور أنه الاختيار الصحيح، المجتمع الشرقى قد يقبل من الأب أن يتجاوز فى حق أبنائه، ولكنه أبدا لا يقبل مهما كانت المبررات أن يرد الابن، أنغام ليس أمامها سوى أن تظل صامدة (فى الركن البعيد الهادى)، حتى تمر بأقل قدر من الخسائر عاصفة الغضب (السليمانية)!!.