بقلم : طارق الشناوي
برغم أن ضحكات من القلب قد ملأت ساحة الكنيسة المرقسية، إلا أن البابا شنودة أكد أنها ليست نكتة، بل حقيقة موثقة، ملامح وصوت البابا تؤكد أنه قالها فى سنواته الأخيرة ربما 2009، (رجل ماتت زوجته وتركت له طفلا وحيدا، فقرر أن يترهبن مصطحبا معه ابنه الذى تفتحت مداركه فقط على ما يجرى داخل الدير، ومع الزمن قرر الراهب ومعه طفله الذهاب إلى إحدى القرى لشراء بعض حاجياته، وانبهر الطفل بالعالم خارج أسوار الدير، وأخذ يسأل والده من هذا يقول له مثلا جاموسة، ومن هذا تأتى الإجابة حمار، ثم شاهد امرأة فقال له والده إنه الشيطان، وعادا للدير وسأل الراهب ابنه ما هو أكثر شىء أحببته فى السوق؟ أجابه الشيطان).
هذه هى الحكمة، المرأة تساوى الجمال والبعض يمنحها صفة الغواية منذ قصة أمنا حواء، التى أغرت أبونا آدم بالأكل من شجرة التفاح المقدسة المحرمة، فعوقبا بالهبوط معا من الجنة إلى النار.
حكاية أو نكتة البابا تحمل رسالة ضمنية، أن المتعة والسعادة ليست أبدا من الشيطان، رجال الدين هم الذين شيطنوا الجمال.
كل ما ينتمى للفن والجمال أصبح ينظر إليه بشىء من الريبة، الغناء والمسرح والأزياء والمهرجانات، كثيرا ما نواجهها بالعيون المشمئزة قبل أن نصوب نحوها وابلا من الكلمات المنفلتة.
حكى لى أحد الأصدقاء المقربين من شيخ الأزهر الجليل د. أحمد الطيب، أنه أراد أن يعقد صلحا بين الفن والمؤسسة الدينية بأسلوب عملى، واقترح على الإمام الأكبر الذهاب إلى إحدى مسرحيات الدولة، وكان بها مشهد به رقص تعبيرى، وحتى لا يستغلها أحد تم الاتفاق على حذف هذا المشهد، إلا أن الشيخ اعتذر عن الزيارة قبلها بأيام قليلة- كانت تلك ستعد هى السابقة الأولى منذ أن اعتلى كُرسى المشيخة- الأسباب المعلنة أن العرض سبق تقديمه بالرقصة ولو عرض بدونها سوف تغض الصحافة والإعلام الطرف عن زيارة الشيخ ويتحدثون فقط عن حذف المشهد وسطوة الرقابة الدينية.
لا أتصور أن هذه هى كل الأسباب، خاصة أنه سبق لى أن سألت الشيخ الجليل عن آخر زيارة للمسرح، أجابنى فى الستينيات، فالرجل قبل أن يعتلى كرسى المشيخة لا يرحب بالذهاب للمسرح أو السينما، ولم أسمعه مثلا يتحدث قائلا إن صوت أم كلثوم فى الأغانى العاطفية يطربه.
شاركت فى جلسة نقاش واحدة مع فضيلة الإمام الأكبر، وذلك قبل نحو خمس سنوات فى لقاء ضم عددا من الممثلين والمخرجين ونقباء المهن الفنية على خلفية رفض الأزهر الشريف لعرض الفيلم الأمريكى (نوح)، كنا نناقش قضية التجسيد، وجاءت الإجابة قاطعة لتضعنا جميعا أمام قرار لا يقبل النقاش، هذا يجرح جلال الشخصيات، ولن يسمح به شيخنا الموقر أبدا فى عهده.
قلنا للشيخ إن الدراما الإيرانية قدمت حلقات تليفزيونية ناجحة عن سيدنا يوسف عليه السلام، وعن سيدنا الحسين، والسيدة مريم العذراء وغيرهم، وبرغم أن كل القنوات الفضائية المصرية لم تعرضها، إلا أنها حظيت بكثافة مشاهدة عربية مرتفعة، إلا أن كل إجابات شيخنا الجليل كانت تؤكد على شىء واحد أن الباب كان وسيظل موصدا تماما، ولا أمل حتى فى (مواربته).
هل الفن ينطبق عليه مواصفات المرأة الجميلة المحرمة؟ نعم هى كذلك ولا أتصور أن تلك النظرة من الممكن أن تتغير بدون أن يلعب الأزهر الشريف والكنيسة المقدسة دوريهما فى الصلح مع الفن، فهو أحد أهم عناوين الجمال الذى شيطنوه!!.