بقلم : طارق الشناوي
لم تعد شبكات التواصل الاجتماعى حكرًا على من لحقوا بها وعاشوا تفاصيلها سواء سعدوا بها أو اكتووا بنيرانها، صارت الأداة الأكثر تأثيرًا وحضورًا، كلنا نعيش تحت مرمى نيرانها، ومن غادروا حياتنا قبل اختراعها تلاحقهم لسعاتها.
عبر «يوتيوب» تم استدعاء العديد من رجال السياسة والفن، رغم أنهم سعداء فى العالم الآخر، إلا أنهم يتواصلون معنا افتراضيا ويشاركوننا بالرأى الصريح فى كل مناحى الحياة، دائما هناك تعليق منسوب إلى إسماعيل يسن وعبد الفتاح القصرى وزينات صدقى وزكى رستم وعادل أدهم وتوفيق الدقن وفريد شوقى وغيرهم من الفنانين أصحاب البصمة الخاصة و(الكاريزما) الاستثنائية، كما أن لرجال السياسة أمثال جمال عبدالناصر وأنور السادات والملك فاروق، مساحتهم فى التعبير.
من أشهر الشخصيات التى تحتل المقدمة «سى السيد» و«الست أمينة» من ثلاثية نجيب محفوظ، نرى يحيى شاهين وآمال زايد اللذين جسدا الشخصيتين فى الفيلم الشهير «بين القصرين»، يقدم كل منهما رأيه أيضا فى شاكوش وحمو بيكا وموقعة محمد رمضان والطيار وشريط عمرو دياب الأخير، الروح الساخرة حاضرة بقوة فى كل موقف، كما أن زكى رستم وفاتن حمامة فى (نهر الحب) لهما مكانة خاصة، كثيرا ما يوجه (طاهر باشا) انتقادات إلى (نوال هانم) بعدم الإسراف فى تبديد الميزانية لشراء هدايا الأعياد، مثلما حدث أول من أمس فى عيد الحب، وليس الأمر مقصورًا على من رحلوا ولكن عبارة (عايزة ورد يا ابراهيم) التى قالتها هند صبرى فى (أحلى الأوقات) للراحل خالد صالح احتلت المركز الأول قبل 48 ساعة.
الإنسان قبل الشبكات غير الإنسان بعدها، لولا تلك التقنية ما كان من الممكن أن تنجح ثورات الربيع العربى التى كان وقودها الشباب وقد تواصلوا على شاشات الكمبيوتر والموبايل.
الزمن لا يعترف سوى بالتفاعل عبر كل المستجدات والمنصات التى يطرحها العصر، موجات الإذاعة اللاسلكية بدأت فى الحرب العالمية الأولى، ولعبت دورا محوريا فى الحرب الثانية، وكانت خطب الزعماء يتم تناقلها عبر أثير الإذاعة مثل القنابل التى تلقيها الطائرات لقتل الأعداء، مصر مثلا أعلنت ثورتها فى 23 يوليو عام 1952 عبر موجات الإذاعة، وفى أثناء العدوان الثلاثى على بورسعيد عام 56 كان الهدف الإستراتيجى لبريطانيا وفرنسا لإسكات صوت مصر هو ضرب الإذاعة، فى نفس اللحظة يعلو صوت مذيع سورى بدون تكليف من أحد وقبل الوحدة بعامين ليقول هنا القاهرة من دمشق.
شبكات التواصل خرجت عن سيطرة الدول، وهذا يشكل وجهًا مغايرًا، حتى لو حملت أحيانًا لغة التخاطب قدرًا لا ينكر من التجاوز.
نرى أبجدية أخرى فى التخاطب، وعلينا أن نفك تلك الشفرة، بدلا من أن نعتبرها عدونا اللدود.
الماضى الآن صار جزءًا حميمًا من اللحظة التى نعيشها، بعد أن وجهنا دعوة لعدد من رموزه فصاروا يتنفسون ويرزقون ويتفاعلون وينفعلون ويسخرون معنا وعلينا. السؤال: هل هم سعداء بعودتهم إلينا؟ أتمنى أن تُصبح الإجابة نعم، رغم أن الحال يؤكد أنه لو كان القرار لهم لفضلوا أن يتابعونا من السماء، ومن بعيد لبعيده