تكتشف وأنت تستعيد حياته الفنية، أنه يختار المخرج، جرى العرف أن المخرج يختار الكاتب، بينما مع وحيد حامد باستثناء أفلام البدايات، هو الذي يختار المخرج، ويشارك أيضاً في اختيار النجوم، ليس باعتباره منتجاً، أغلب أفلامه ليست من إنتاجه، ولكن دائما لديه كلمة ورأى ووجهة نظر، إلا أنه مستعد في أي لحظة أن يُنصت للآخرين، لا يتشبث برأيه، لو وجد أن لدى الآخرين منطقا دراميا أو فكريا أو جماليا، فسوف يتوقف ويدرس، وممكن ببساطة متناهية أن يعيد أيضا التفكير، وهذا هو ما منحه مع الزمن القدرة على التجدد، في الأشهر الأخيرة وهو يكتب الجزء الثالث من مسلسل (الجماعة) وكنت جالسا بجواره، وجدته يبتسم وهو يرد على مكالمة عرفت فيما بعد أن على الطرف الآخر المخرج محمد يس، قال لى يعجبنى في محمد أنه (نمكي) يسأل عن كل التفاصيل، ليس فقط ما هو مكتوب على الورق، ولكن ما لم أدونه مثل تاريخ الشخصية والعائلة حتى لو لم يكن لهم أي مشاهد، هذا هو ما ينعشنى، عندما أجد مخرجا حريصا على ظلال الكلمات وليست فقط الكلمات، ولهذا تعددت الأعمال المشتركة بينهما سينمائيا منذ (محامى خُلع)، وهو الذي قدم الجزء الأول من الجماعة.
العديد من المخرجين مهما تعددت توجهاتهم ستجدهم لهم مكانة على خريطة «وحيد حامد» مثل سمير سيف وعاطف الطيب وشريف عرفة وخيرى بشارة ويسرى نصرالله ويحيى العلمى ومحمد عبدالعزيز وعمر عبدالعزيز ونادر جلال، كما تعاون مع عدد من المخرجين في أولى تجاربهم الدرامية محمد ياسين ومروان حامد ومحمد على وتامر محسن وشريف البندارى، وتلمح أيضا من جيل الكبار عاطف سالم وحسين كمال وغيرهم، النجوم الكبار الذين احتلوا مساحة كبيرة على خريطته، عادل إمام وأحمد زكى ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز، كما أن يسرا ونبيلة عبيد وليلى علوى وإلهام شاهين ومنى زكى لهم مكانة متميزة.
نعيش في ظل سيطرة وسطوة النجوم على كل مفردات الشريط السينمائى، حتى إن أحد نجومنا الكبار كان يتباهى في الأستوديو أنه لا يكتفى باختيار كل الفنانين والفنيين ولكنه أيضاً يختار عمال (البوفيه) لإعداد الشاى والقهوة، وحيد لا يعترف بمنح النجوم صلاحيات استثنائية، ولكنه يستثمر شعبية النجم لصالح القضية التي يتناولها، وهكذا مثلاً ستلمح حضوراً طاغياً لعادل إمام في القسط الأكبر من أعماله، بالقياس للآخرين، والسبب أن الرسالة التي يريدها وصلت أكثر من خلال نجومية عادل وشعبيته العريضة، عادل يقف في مقدمة النجوم الذين عبروا عن أفكار وحيد، تجده في عام 81 يقدم له فيلمين (انتخبوا الدكتور عبدالباسط) إخراج محمد عبدالعزيز و(الإنسان يعيش مرة واحدة) لسيمون صالح، الفيلم الأول يدشن جماهيرية عادل والثانى أعتبره واحدا من أفضل الأفلام كفن أداء لعادل إمام، وأيضا كحالة درامية وفكرية وإبداعية، وإن كان لم يحقق النجاح الجماهيرى المستحق، بيد أنه على الفضائيات صار مع الزمن لديه مساحة دافئة من الحميمية أظنها ستزداد مع الزمن. أفلام مهمة أخرى مع عادل مثل (الغول) و(الهلفوت) لسمير سيف والأفلام الخمسة التي جمعته مع شريف عرفة بداية من (اللعب مع الكبار)91 مروراً بـ(الإرهاب والكباب) (المنسى) (طيور الظلام) و(النوم في العسل)، وكان ثالثهما عادل، ويتوقف اللقاء عام 96 ليعود مجددا في (عمارة يعقوبيان) 2006 إخراج مروان حامد.
وحيد حامد كان صاحب أول إطلالة تليفزيونية جماهيرية مؤثرة لعادل إمام (أحلام الفتى طائر) عام 78 إخراج محمد فاضل، رغم أنه لم يكن العمل الدرامى الأول لعادل كبطل على الشاشة الصغيرة، إلا أنه ساهم في خلق شعبية طاغية لعادل في البيت المصرى والعربى.
مؤكد عادل إمام هو النجم الجماهيرى الأول ومؤكد أيضاً أن وحيد حامد لعب دوراً في تعميق هذه الجماهيرية تليفزيونياً وسينمائياً، ومنحها زخما فكريا، حتى لو تضاءلت اللقاءات الفنية بينهما في الربع قرن الأخير، ورغم ذلك فإن وحيد لم يضبط متلبسا بالكتابة لعادل، أو لغيره من النجوم والنجمات مثل أحمد زكى ومحمود عبدالعزيز ونبيلة عبيد ونادية الجندى ويسرا، هو يكتب شخصية درامية، تبحث عن بطل يجسدها، والدليل أن (اضحك الصورة تطلع حلوة) لشريف عرفة كان المرشح الأول عادل إمام وعندما اعترض عادل قائلا إنه يذكره بـ«زكى رستم» في (أنا وبناتى)، أسند شريف عرفة ووحيد حامد الدور لأحمد زكى فكان من أحلى وأنضج أدواره، وهو من أقرب أفلام وحيد إلى قلبه، وحصل أيضاً أحمد على أكثر من جائزة عن هذا الدور، بينها (بيناللى السينما العربية في باريس)، لديكم مثلا (معالى الوزير) حتى اللحظات الأخيرة كان دور محمود عبدالعزيز إلا أنه وكعادته يخشى أداء مشاهد الموت والمقابر، طالب بتغيير مشهد الدفن، ولم يقتنع وحيد بوجهة نظر محمود، فتم تغييره بأحمد زكى الذي حصل أيضاً على أكثر من جائزة عن الدور، كما أن (سوق المتعة) تردد اسم عادل إمام في البداية حتى استقر عند محمود عبدالعزيز، فكان أهم أدواره، لم يتعمد استغلال نجومية أي فنان ولكن يستثمرها لصالح الفيلم، حتى لو كان عادل إمام، العمق الذي يراهن عليه هو الفكر الذي سيقدمه للناس وليس فقط تحقيق الرواج الجماهيرى.
وحيد اشتغل على وحيد، قرأ كثيراً وشاهد كثيراً وتأمل كثيراً كثيراً، يقولون إن العبقرية إلهام من السماء لا يتجاوز 1% والباقى جهد مضنٍ على الإنسان أن يبذله لتحقيق هدفه، وهذا هو ما استوعبه تماما ومنذ البداية وحيد حامد، وبقدر ما كان يلتهم الكتب، في نفس الوقت لا يتوقف عن تأمل البشر.
لا يكتب وحيد إلا وسط الناس، وهكذا تعوّد أن يصحو مبكراً ليذهب إلى مكانه المفضل كافتيريا الفندق المطل على النيل.
الفلاح الفصيح ابن الريف محروم من الكتابة خلال الأشهر الأخيرة، الأفكار لا تطاوعه إلا مع الإحساس باقتراب الناس، سن القلم ينساب فقط عندما تصاحبه مؤثرات صوتية، مزيج من همسات وأنفاس ومعاناة البشر، إلا أن (كورونا) قيدت الكثير من انطلاقات وحيد فكان يخرج من منزله يوما ويتراجع يومين أو ثلاثة.
لا يتوقف وحيد عن تأمل الناس، كنا في مهرجان (الجنادرية) بالمملكة العربية السعودية، ننتظر الحصول على (الكارنيه)، بينما هناك من يجادل الموظف المسؤول، شعرت بالضيق بسبب إضاعة وقتنا في انتظار نهاية الجدل الذي كنت أراه عقيما، بينما وحيد بجوارى وجدته منهمكاً في المتابعة، يتأمل المناقشة، سعيدا بهذا الصراع، وعندما سألته عن سر إعجابه بهذا المشهد، قال لى إنه يستلهم من خلاله موقفاً درامياً، ربما يكتبه يوماً.
يتجدد وحيد من خلال قدرته على الاقتراب من هذا الجيل، في العقود الأخيرة سنكتشف على خريطته يبرق عدد من المخرجين الجدد في أولى تجاربهم، كتب سيناريو أول فيلم روائى طويل لمروان حامد (عمارة يعقوبيان) ومن بعدها لم يتعاون وحيد مع ابنه الوحيد، تركه يسبح في مياه درامية بعيدا عن الأب. إنه يضرب مثلا لعلاقة مثالية تجمع الأب بابنه، عندما يعملان في نفس المجال، تراها في أعمق مراحلها، فهو لا يتدخل في اختيارات مروان، ولا يطلب منه أن يقرأ السيناريو الذي يتحمس له، يتركه يقدم أفكاره وإيقاعه وزمنه، بينما وحيد على العكس تماماً، يطلب من ابنه أن يقرأ أي عمل يكتبه منتظرا الرأى، قال لى إنه عندما يجد بالصدفة على مكتبه سيناريو لمروان، لا يمكن أن يفتحه، أما عن رأيه في أي عمل أو ملاحظاته، فهو يترك الحكم للناس، قال لى أنا أنتظر مع مروان رد فعل الجمهور، وإذا أعجبهم فهو بالضرورة يعجبنى، وحيد يرى الجيل الجديد من المخرجين لديهم لغة فنية عصرية، ولهذا يتعاون معهم ويجذبهم إلى ملعبه، ما يمنح وحيد هذا التجدد على الشاشة أنه يستوعب شفرة العصر، وهكذا ترى متابعته للأعمال الفنية وشغفه بالتواصل مع كل ما هو جديد، عندما يبدأ العمل مع أي مخرج في بداية الطريق يزيل حتى فارق العمر بينهما ويطالبه بأن يكسر هذا الحاجز تماما ويناقشه في كل التفاصيل وينصت إليهم، وعندما يقتنع بأى فكرة تحمل منطقا يأخذ بها مباشرة، وقبل كل ذلك يطلب منه أن يُسقط من قاموس التعامل بينهما لقب (أستاذ) ويكتفى فقط بـ(وحيد)، إنه يحطم حائط الرهبة في التعامل مع كبير المهنة، حتى يضمن انسياب الحوار بينهما بلا أي حساسية.
أنشأ جماعة كانت تلتقى في الفندق أسبوعيا ظُهر كل يوم جمعة، على مدى يقترب من ربع قرن أطلقوا عليها «مائدة الشر»، من أشهر أعضائها عاصم حنفى وعمرو خفاجة ووائل الإبراشى وممدوح الليثى.. هؤلاء هم المنتظمون، بينما تسمح المائدة أيضا بالانتساب لعدد آخر، ومن بينهم أحمد زكى وعادل إمام وليلى علوى ويسرا وعادل حمودة وعبدالرحمن الأبنودى وإبراهيم عيسى ومحمود سعد ومحمد هانى، وبين الحين والآخر ينضم إليهم كاتب هذه السطور، تمارس الجماعة شيئا من الشر لتؤكد جدارتها بالاسم، ولكنه شر مغلف بخفة الظل، فقط مداعبة مشروعة.
سألت وحيد، هل الغيرة عرفت طريقها إليك؟ فقال عندما أجد كاتباً يمتلك إحساسا ونفسًا خاصًا أهنئه، أشعر أننا نكمل بعضا، والعمل الذي كتبه مؤلف آخر، وتمنى أن يضع عليه اسمه؟ قال لى الرائع محسن زايد «فى حديث الصباح والمساء» لنجيب محفوظ، سيناريو ينبغى تدريسه، وسألته من هو كاتب السيناريو الموهوب والمظلوم؟ قال لى فراج إسماعيل، سألته بدأت كاتبا مسرحيا ثم هجرت المسرح، ألا تشعر أن بداخلك كاتبا دراميا محبطا؟ أجابنى ابن جيلى الكاتب الموهوب لينين الرملى حقق كل أحلامى وأكثر في المسرح وهذا هو ما جعلنى أتجاوز أي إحباط، كان من الممكن أن أشعر به، وصل لينين إلى مكانة مرموقة وأحدث في الكتابة المسرحية حقا نقلة نوعية، أشعرتنى بالسعادة.
روى لى المخرج شريف عرفة أنه في أول عمل جمعه مع وحيد (اللعب مع الكبار) طلب منه أن يقرأ السيناريو، على مائدة بجواره، وبعدها يحدد موقفه، قال له شريف: (هايل)، ثم أضاف:( وهل يقبل عادل إمام أن أخرج له وأفلامى السابقة (الأقزام قادمون) و(الدرجة التالتة) و(سمع هس) لم تحقق إيرادات)، أجابه وحيد: (ده فيلم شريف عرفة وليس عادل إمام)، أنت صاحب القرار، الفيلم إنتاج وحيد، فقرر أن يمنح شريف أعلى أجر كان يتقاضاه الكبار من المخرجين، وقتها أمثال سمير سيف ونادر جلال وعاطف الطيب، وعندما اندهش شريف من مضاعفة أجره بدون حتى أن يطلب، قال له: (أنت ح تدينى ع الشاشة، ما كان من الممكن أن يقدمه لى سمير أو نادر، فيجب أن تحصل على نفس الرقم)، سألت شريف عن أحلى سيناريو لوحيد، أجابنى: (سوق المتعة) قرأت السيناريو، وقلت لوحيد: (ده أكبر منى مش ح أقدر أخرجه)، شريف بالمناسبة يعتبر نفسه الشقيق الأصغر لوحيد والشقيق الأكبر لمروان، توقف اللقاء الفنى بينه ووحيد على مدى يقترب من ربع قرن، ولكن لا يزال هو الأقرب وجدانياً، وفى كل مرة ألتقى وحيد أجد أن هناك مكالمة يتلقاها من شريف، تنتهى عادة بضحكة من القلب.
هل هو مع الدولة أم المعارضة؟ المتربصون يعتبرونه صوتاً للحكومة، تمرر من خلاله المطلوب ترويجه، فهو يتلقى منهم الأفكار ويعرف بالضبط ما هو المطلوب، هو صوت الدولة الذي تستعين به كلما أرادت أن تتبنى قضية، ولكنك تكتشف مثلاً أن العديد من الوقائع على أرض الواقع تكذب تلك الادعاءات، مسلسل (العائلة) مثلاً الذي واجه مبكرا في منتصف التسعينيات، التطرف الدينى وعنف الجماعات وغسيل المخ لا قى عنتا ورفضاً رقابياً، من الدولة، فيلم (الغول) مطلع الثمانينيات، قالوا إنه يستعيد حادث المنصة واغتيال «أنور السادات» ويحرض على الثورة، ووضعوا العراقيل التي تحول دون عرضه، وحيد يستشرف في (طيور الظلام) الصراع القادم بين المجتمع المدنى الذي نحلم به والحكم الدينى، الذي كان متربصا بنا، وهو ما وجدناه يتحقق على أرض الواقع ويعتلى الإخوان الحكم بعد ثورة 25 يناير 2011، قبل أن تسقطهم، الإرادة الجماهيرية الشعبية بتأييد من القوات المسلحة في 30 يونيو 2013، أراد الإخوان الانتقام من وحيد حامد وقرروا إقامة دعوى قضائية ضده في العام الذي امتلكوا فيه زمام السلطة في أيديهم، فقرر هو ردا عليهم أن يهددهم بكتابة الجزء الثانى من (طيور الظلام)!! ولم يكن في الحقيقة لديه مشروع، لجزء ثان، وهو أساسا ضد مبدأ استثمار النجاح للجزء الأول، ولكنه فقط أراد أن يرد عليهم بطريقته، فهو لم يتراجع عن موقفه مع تغير السلطة، لقد شاهدنا البعض وهو يهادن، بينما وحيد واجه سلطة تستطيع البطش به في أي لحظة، حدث ذلك في عز سيطرتهم على مقدرات الوطن، «وحيد» قرر خوض المعركة حتى النهاية، فهو لم يكتب فقط أفلاما مهمة، ولكنه صاحب فكر قبل أن يكون صاحب فيلم، ولهذا وجهوا إليه سهامهم، لو كان هو صوت السلطة كما يتهمه البعض، ألم يكن من الأفضل له، حتى يضمن حماية السلطة أن يردد أفكارهم، لم يكن أحد يدرى حقا، متى ينتهى الكابوس، بينما وحيد ظل في موقعه مدافعا عن مصر المدنية، مهما كان الثمن الذي سيدفعه، إلا أنه لم ينحن أمام العاصفة الإخوانية، بل وقف شامخا يواجهها بسن قلمه وسن فكره.
كيف يتقبل وحيد النقد؟ سوف أحيلكم إلى موقف في مهرجان الإسكندرية السينمائى، مطلع الثمانينيات، من شهود العيان عليه كل من الإعلامى الشهير محمود سعد وكنا في ذلك الزمن، في بداية المشوار، الصحفى، ومعنا الصحفية الشابة زوجته نجلاء بدير، والأعزاء توماس جورجسييان وسمير شحاتة، والراحلان محمد الدسوقى ومحمد الرفاعى، وعرض فيلم (العربجى) تأليف وحيد حامد وإخراج أحمد فؤاد، قرأ وحيد تواضع مستوى الفيلم في عيوننا، وتوقع عنف الأسئلة، وقبل أن يبدأ المؤتمر الصحفى قال: (أنا أعيب على مهرجان الإسكندرية كيف يقبل أن يشارك في فعالياته فيلم بهذه الرداءة)، ثم قال لن أهاجم المخرج ولكن أعتذر لكم عن سوء المستوى الفنى للشريط، ولا أعفى نفسى من المسؤولية، وهكذا الرجل، لا يدافع عن باطل، ولا يلقى بالتبعة على الآخرين.
وحيد له مواقف عاشها مع بعض الأفلام التي رأى فيها اعتداء صارخ على فكره مثل (قصاقيص العشاق)، بطولة نبيلة عبيد وإخراج سعيد مرزوق، اكتشف وحيد أن مرزوق أضاف الكثير وحذف الكثير، ومراعاة منه لأموال المنتج، وكان من حقه طبقا لقانون حماية الملكية الفكرية إقامة دعوى لمصادرة الشريط، اكتفى فقط بحذف اسمه من (التترات)، وهكذا لم يعد الفيلم من الناحية العلمية منسوبا إليه.
وحيد هو أكثر الكتاب في تاريخنا الدرامى حصولاً على الجوائز، ورغم ذلك تخلص مؤخرا من القسط الأكبر منها، قال لى وجدت مثلا جائزة عام 1991 باعتبارى أفضل كاتب سيناريو باستفتاء الجمهور، قدمتها إذاعة الشرق الأوسط، سألت نفسى هل أنا في ذلك العام قدمت حقاً الأفضل؟ جاءت الإجابة أفضل كاتب سيناريو من وجهة نظرى، في ذلك العام داود عبدالسيد، بفيلم (الكيت كات)، المأخوذ عن رواية إبراهيم أصلان (مالك الحزين) وهو يستحق قطعا وبلا منازع الجائزة، ولكن الاستفتاء من الممكن أن يخضع مثلا لارتباط كلمة (سيناريست) باسمى، فأحصل أنا عليها عن غير حق، كما أن هناك جمعيات تمنح جوائزها، عشوائيا وأحياناً من أجل ضمان حضور النجم، ولهذا تخلصت من القسط الأكبر منها واحتفظت فقط بما أعتقد أننى كنت مستحقا له، هل رأيت صدق مع النفس أكثر من وحيد، تعود الفنانين على التباهى بعدد الجوائز التي يحصلون عليها، بينما وحيد يسأل أولا هل كنت أستحق قطعا تلك الجائزة.
عندما أخبرته بأن اللجنة الاستشارية العليا بإجماع كل الآراء اختارته، للحصول على جائزة الهرم الذهبى (الإنجاز) لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، قال لى إنه قبل أكثر من عشر سنوات نال جائزة تقديرية من المهرجان، قلت له ولكن هذه جائزة أخرى عن إنجاز العمر، وهى أرفع جوائز المهرجان وتم استحداثها لأول مرة هذا العام، فوافق، قائلا إنه يقدر المهرجان والقائمين عليه ولا يمكن سوى أن يشكرهم على هذا التكريم.
وقبل أن أترككم مع صفحات الكتاب أستعيد معكم بعض كلمات من أفلامه التي انتقلت من الشاشة إلى الشارع، لتؤكد على تفرد وحيد.
****
(الإرهاب والكباب).. (الحكومة ملهاش دراع علشان تتلوى منه).
(الإنسان يعيش مرة واحدة).. (أنا عندى حبوب للضحك وحبوب للكلام وحبوب للسعادة بس معنديش حبوب للحزن علشان ده موجود طبيعى).
(طيور الظلام).. (اللى يشوف البلد دى من فوق غير اللى يشوفها من تحت، القانون زى ما بيخدم الحق بيخدم الباطل، واحنا الباطل بتاعنا لازم يكون قانونى).
(اضحك الصورة تطلع حلوة).... (إحنا صغيرين قوى يا سيد، لا يا أمى إحنا كبار بس مش عارفين نشوف نفسنا).
(اللعب مع الكبار).. (لازم كل حاجة في بلدنا تبقى حجارة علشان متتسرقش حتى الحب والروح الحلوة اتسرقوا يا على).
(الغول).. (لما الناس بتموت الدنيا بتمشى، لما بتبعد الدنيا بتقف، غريب أن الموت أرحم من البعد، يمكن لأن الموت حاسم والبعد فيه احتمالات).
(التخشيبة)... (إذا كان القانون لبسنى تهمة، فربنا قادر ينجينى منها، ربنا وحده صاحب القانون اللى مابيظلمش حد أبداً).
(كشف المستور).. (المعارك والبطولات بتاعتنا كانت فوق السراير والملايات الناعمة).
(أنا لسه فاكره كلامك واحنا بنات صغيرين في مدرستك، مش أنت اللى قلت لنا الوطن لما يحتاج يا بنات لازم ندى من غير حساب، وزى ما فيه رجالة بتقدم أرواحها فداء للوطن فيه ستات كمان لازم تقدم أجسادها فداء للوطن وصدقناك).
( المنسى)... (الفيلم ده قصة ولا مناظر).
***
صدفة أن أول أفلامه (طائر الليل الحزين) وأول مسلسلاته يحمل اسم (أحلام الفتى الطائر) الأول صنع علاقة خاصة في السينما والثانى بعدها بعام حقق له نجاحاً طاغياً في التليفزيون، يجمعهما تعبير واحد (الطيران)، وأروع ما في إبداع وحيد أنك تكتشف أنه دائما في حالة طيران ليصل إلى أعلى سماء في دُنيا الإبداع، لا يعتمد سوى على جناحيه في التحليق ويظل يرنو للسماء السابعة.
إنه حفيد الفلاح الفصيح الذي عرفناه على أرضنا قبل نحو خمسة آلاف عام، مدافعا عن العدالة، رافضا الظلم، يواجه كل شرور وأحقاد العالم بالكلمة التي تملك الكثير من الإشعاع الداخلى، يتبنى حقنا في حياة كريمة، بقلمه الذي لا يعرف أبدا أنصاف الحلول وأنصاف المواقف، يقرأ الواقع الذي نعيشه ويستطيع أيضاً أن يتنبأ بالقادم الذي يقف خلف الباب، ولا يزال بظهر الغيب، أفلامه التي وصفها البعض بالمحرضة، أراها تصنف أكثر بأنها أفلام متوهجة بشعاع الضوء، الذي يبدد في لحظات سحب الظلام.
ولا يزال لدى فلاحنا الفصيح الكثير، الذي يقدمه لنا، نعم منحنا الكثير والعميق والمتنوع والممتع، إلا أنه لا يزال ممسكاً بالقلم في يده مدافعاً عن قيم الحق والخير والعدل والجمال، لا يعنيه الثمن الذي سيدفعه، وكثيرا ما سدد ثمن مواقفه، المهم أن تصل رسالته إلى العقول والقلوب، مخترقة حاجز الخوف والصمت، وحيد حقا وحيد!!.