بقلم : طارق الشناوي
قلبى ينتعش مع كل تقارب مصرى سودانى، أضع يدى دائما فى يد صديقى وأخى الأسمر فى الجنوب، وموقن تماما من مشاعره نحوى، لم تغب أبدا نبضات الصداقة أو يفتر يوما الحب، أحيانا قد تعترى العلاقات السياسية عثرات، إلا أن الشعبين المصرى والسودانى لا يرددان سوى نغمة واحدة، كل قطرة ماء تسرى فى ماء النيل لو حللتها سترى أنها محملة بكل (جينات) الحب الذى يأتى من أرض السودان، لكل ما هو مصرى.
شاهدنا التوافق التام بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وعبدالفتاح البرهان، فى كل القضايا المصيرية المشتركة، وطبقا للبيان الرسمى تقرر تعزيز آفاق التعاون على مختلف الأصعدة خصوصا السياسى والاقتصادى والأمنى والعسكرى. أرى أنه يجب أن يتوازى مع كل ذلك بل ويسبق أيضا كل ذلك، الجانبان الثقافى والفنى، روح الفن والثقافة هى الخط السحرى الذى يدعم كل تقارب على مختلف الأصعدة.
عندما عاد شارل ديجول الزعيم الفرنسى التاريخى إلى باريس قادما من لندن بعد انتصاره فى الحرب العالمية الثانية، كانت أهم وزارة لعبت الدور الرئيسى فى تضميد الجراح والتطلع للمستقبل، هى الثقافة، إنها أول ما يسعى العدو لتحطيمه لأنها خطوط الدفاع التى تسبق الأسلحة التقليدية، قد تتوقف طلقات الرصاص ولكن يظل العدو يبحث عن نقطة ضعف فى الجدار الثقافى ينفذ من خلالها، ولهذا تولى الروائى الفرنسى الشهير أندريه مارلو وزارة الثقافة، وفى الاجتماعات كان ديجول لا يتبع أصول البروتوكول ويصر أن يجلس على يمينه وزير الثقافة.
فى زمن عبدالناصر كانت لدينا مثلا أفلام مشتركة مع روسيا (الاتحاد السوفيتى سابقا) مثل (الناس والنيل)، وهناك أيضا أفلام مشتركة مع اليابان مثل (على ضفاف النيل)، وكانت حفلات أضواء المدينة تلعب دور البطولة فى كل شىء.
دائما ما تنتقل من قطر عربى إلى آخر، فى العاصمة الخرطوم، مثلا غنت شادية فى الحفل الذى أقامته الدولة مطلع الستينيات، بكلمات فتحى قورة وتلحين منير مراد (يا حبيبى عد لى تانى) واستخدم منير فى التلحين السلم الموسيقى الخماسى، بينما فى مصر نستخدم السلم السباعى، تفصيلة دقيقة فى البناء اللحنى، ولكنها تؤكد أن منير مراد يعلم جيدا مذاق النغمة التى يرددها معا الشعبان المصرى والسودانى، وفى أعقاب هزيمة 67 غنت أم كلثوم فى الخرطوم لدعم المجهود الحربى بكلمات الشاعر السودانى الهادى آدم (أغدا ألقاك) وهى حفلة لا تنسى أبدعت فيها (الست)، وكان فى الإذاعة المصرية (رُكن السودان) موجة إذاعية مستقلة تعتنى بكل ما هو سودانى، العلاقة ليست فقط حميمة ولكنها عبر التاريخ أيضا استثنائية.
هل الفنون والثقافة المصرية حاضرة بقوة فى السودان؟ وهل العكس صحيح؟ إجابتى هى لا، أتمنى أن تتاح الفرصة كاملة لوزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم لكى تقدم الكثير فى تلك المساحة الغائبة، سبق اجتماع القمة بين الرئيسين المصرى والسودانى اجتماع لوزير الخارجية المصرى ووزيرة الخارجية السودانية، وكان ينبغى أن يواكبه اجتماع مماثل بين وزيرى الثقافة فى البلدين.
أين الفنان السودانى بالقاهرة بعد (ستونة)؟ عرفنا فى الماضى المطرب السودانى سيد خليفة، ورددنا معه (المامبو سودانى)، وسنظل نغنى مع الأشقاء (المامبو سودانى) و(يا حبيبى عُد لى تانى).